للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى برلين، لقد عرَّف شيلنج قضية الفلسفة الأساسية بأنها المأزق الواضح بين المادة والعقل، إذ كان من المستحيل (من وجهة نظره) "أن نفكر في أن أحدهما ينتج عنه الآخر"، وانتهى (وهو في هذا يعود مرة أخرى إلى فكر سبينوزا) إلى:

"أنَّه أفضل مخرج من هذا المأزق هو أن نفكر في المادة والعقل كوجهين لحقيقة واحدة معقدة ولكنها متحدة فكل فلسفة تقوم على العقل الخالص وحده هي فلسفة سبينوزية"

(نسبة إلى سبينوزا Spinoza) أو ستصبح كذلك، لكن هذه الفلسفة في رأي شيلنج منطقية على نحو صارم لكن بشكل يُفقدها الحيوية

"إن الإدراك الدينامي للطبيعة لابد أن يُحدث تغييراً أساسياً واحداً في فكر سبينوزا .. فالإسبينوزية صارمة صرامة شديدة كتمثال بيجماليون Pygmalion تحتاج إلى أن يكون فيها روح"

تلك هي أفكار شيلنج كما عرضها في مقاليه: صورة مبدئية لنظام الفلسفة الطبيعية (١٧٩٩) ومقال آخر عن المثالية (١٨٠٠).

واقترح شيلنج ليعرف هذه التحديات الفلسفية المنطوية على الثنائية dualistic monism أكثر وضوحاً - أن نفكر في القوة force أو الطاقة energy كجوهر داخلي (باطني) للمادة والعقل. وفي أي من الحالتين لا نعرف إلى أي منهما (المادة أو العقل) ترجع هذه القوّة، لكن ما دمنا نرى هذه (القوة) أو (الطاقة) تظهر في الطبيعة بأشكال تتطور دائماً لتكون أكثر دقّة وحذقا - تنافر الجزئيات، إحساس النبات أو تحرك زوائد الأميبيا (الكائن وحيد الخلية) لتتلمس طريقها أو تتعلّق بها، وحركة الشمبانزي السريعة الذكية، والعقل الواعي للإنسان - فإنه يمكننا استنتاج أن الله المهيمن على كل شيء ليس هو المادة فقط وليس هو العقل فحسب وإنما هو وِحْدة بينهما في بانوراما باهرة من الأشكال والقوى. لقد كان شيلنج هنا يكتب شعراً وفلسفة في آن واحد، وقد وجد وردزورث Wordsworth وكولردج Coleridge فيه روحاً مماثلة لهما تسعى لبناء عقيدة جديدة لأرواح سيطر عليها العلم لكنها تتطلَّع بشوق إلى إله.

وفي سنة ١٨٠٣ غادر يينا Jena ليدِّرس في جامعة فيرتسبورج Wurzburg المفتتحة حديثاً فواصل كتابة مباحثه الفلسفية التي كان ينقصها قوة فلسفته الطبيعية وفعاليتها. وفي سنة ١٨٠٩ ماتت زوجته مُلهمة حياته كارولين، فكأنها أخذت معها نصف حيويته،