عندما قرأ الفيلسوف شُوبِنْهَاوَر كتابات كانط، كتب في سنة ١٨١٦ كان الناسُ مضطرين للنظر فيما هو غامض على أنَّه ليس دائماً - بلا معنى. لقد كان يظن (أي شوبنهاور) أنَّ فيشته وشيلنج هما الميزة الكبيرة لنجاح كانط مع الغموض، لكن شوبنهاور واصل كلامه قائلاً:
إنَّ ذروة السخف في أن يكرس المرء هدفه لخدمة اللا معنى وأن يجمع معاً بين ما لا معنى له وحشدٍ من الكلمات المتسمة بالإسراف والمبالغة، ولم نكن نعرف كل هذا قبل أن يستخدمه هيجل إلا في مستشفى المجانين، لكنه وصل إلى هيجل أخيراً وأصبح أداةً لأكثر أنواع الغموض والتعمية جمالاً مما لم نسمع به من قبل، والنتيجة ستظهر بشكل لا يُصدق للأجيال القادمة، وستبقى دليلاً قائماً على الغباء الألماني.
٣/ ١ - تقدّم هيجل الشّاك
كان جورج فيلهيلم فريدريش هيجل حيا ومزدهراً عندما نُشر هذا اللحن الحزين (١٨١٨) وعاش بعد ذلك ثلاثة عشر عاماً. وهو ابن أسرة من الطبقة الوسطى من شتوتجارت متدينة تديناً شديداً، ورهنت الأسرة أملاكها لترسل ابنها جورج (هيجل) لدراسة اللاهوت في معهد توبنجن Tubingen اللاهوتي (١٧٨٨ - ١٧٩٣) وكان هناك الشاعر هولدرلين Holderlin، ووصل إليها شيلنج في سنة ١٧٩٠، وقد استاء كلاهما من جهل مدرسيهم ورحبوا بانتصارات فرنسا الثورية، وطوّر هيجل اهتماماً خاصاً بالدراما الإغريقية، وكان امتداحه للوطنية الإغريقية مقدمة لفلسفته السياسية في شكلها الأخير:
"بالنسبة للإغريقي كانت فكرة أرض آبائه (الدولة) هي الحقيقة الأسمى غير المنظورة التي يعمل من أجلها .. وكانت ذاتيته (أوفرديته individuality) لا شيء بالمقارنة بهذه الفكرة (فكرة أرض آبائه)، فأرض الآباء تعني دوامه وبقاءه واستمراره حياته .. فالإغريقي لم يكن يرغب أو يدعو لنفسه بحياة الخلود كفرد، فهذا لم يخطر له على بال".
وبعد أنّ تخَرّج حاصلاً على درجة علمية في اللاهوت، أزعج والديه برفضه الدخول في