سلك الكهنوت. وراح يعولُ نفسه بتقديم دروس خصوصيّة في بيرن Bern في منزل أحد الأرستقراطيين، وكان في هذا المنزل مكتبة عامرة، فراح يقرأ في هذه المكتبة (وبعد ذلك في إحدى مكتبات فرانكفورت) كتابات ثيوسيديد Thucydides ومكيافيللي Machiavelli وهوبز وسبينوزا وليبنز (Leibniz) ومونتسكيو ولوك وفولتير وهيوم Hume وكانط، وفيشته، فكيف كان يمكن لإيمانه المسيحي اُلْمصَّل أَنْ يَصْمد أمام فيض أفكار هذه الثُّلّة من المتشكِّلَين؟ إن التمرَّد الطبيعي لشاب متحمس نشط وجد ساحة للعربدة في مهرجان وثنى (المقصود في أفكار غير متفقةٍ مع المسيحية التقليدية).
وفي سنة ١٧٩٦ ألَّف كتابه (حياة يسوع Das Leben Jesu) الذي ظلَّ غير منشور حتى سنة ٥٠٩١. لقد كان كتابه هذا على نحوٍ من الأنحاء إرهاصاً بكتاب آخر يحمل الاسم نفسه (حياة يسوع)(١٨٣٥) الذي بدأ به ديفيد شتراوس David Strauss - أحد أتباع هيجل - هجوما ضاريا على قصّة يسوع (المسيح) كما وردت في الإنجيل. لقد وصف هيجل يسوع بأنه ابن يُوسف ومريم، ورفض المعجزات المنسوبة للمسيح، كما رفض تفسيرها تفسيرا طبيعيا. لقد صوَّر المسيح (كمصلح) يُدافع عن الوعي الفردي ضد القواعد الكهنوتية، وخلُص إلى أَنّ المتمرِّد المصلوب (يقصد المسيح عليه السلام) قد تمَّ دفنه، ولم يُحدِّثْنا عن قيامته. وقدم لنا وصفا للإله الذي يجب الإيمان به حتى النهاية: "العقل الخالص الذي لا تحدّه حدود هو الله Deity نفسه".
وفي سنة ١٧٩٩ مات والد هيجل تاركاً له ٣١٥٤ فلورين. لقد كتب إلى شيلنج يطلب مشورته عن مدينة ذات مكتبة عامرة و ein gutes Bier فاقترح عليه شيلنج مدينة يينا Jena وعرض عليه الإقامَة في مقر إقامته، وأتى هيجل في سنة ١٨٠١ وسُمح له بإلقاء محاضرات في الجامعة على ألاّ تدفع الجامعة له راتبا، وإنما يتلقَّى أجره من طلبته الذي يجب ألاَّ يزيدوا عن أحد عشر طالبا (ويُعرف المحاضر الذي يعمل على وفق هذا النظام في الجامعات الألمانية باسم Privatdozent) وبعد ثلاث سنوات من هذه المهمة الشّاقة تمَّ تعيينه (أستاذا في مهمّة خاصة) أو بتعبير آخر أستاذاً مكلّفاً Professor extraordinarius، وبعد عام أصبح له لأول مرة دخل ثابت (مائة تالر Thalers) وكان هذا بناء على تدخّل جوته