ولم يكن أبداً مدرساً ذا شعبية، لكنه في يينا (وبعد ذلك في برلين) أثَّر في عدد من الطلبة فارتبطوا به ارتباطا خاصا مكَّنهم من التوغّل إلى ما وراء القشرة الظاهرية الصعبة للغته للوصول إلى أسرار فكره المُفعم نشاطاً وحيوية.
وفي سنة ١٨٠١ بدأ في كتابة مقال مهم عن دستور ألمانيا Kritik der Verfassung Deutschlands لكنه لم يُكمل كتابته (أي تركه منقوصا) ولم ينشر هذا العمل إلاّ في سنة ١٨٩٣. لقد راح وهو يتأمل أحوال ألمانيا يتذكر الكيانات الصغيرة التي كانت تتكوَّن منها إيطاليا في عصر النهضة مما أدّى إلى وقوعها لُقمة سائغة في أفواه الغزاة الأجانب، كما راح يتذكر نصائح مكيافيللي لأمير قوى كي يهوى بمطرقته على تلك الكيانات الإيطالية المتفرقة ليجعل منها أمّة (واحدة). ولم يكن هيجل يُعِّول على الإمبراطورية الرومانية المقدّسة وتنبأ بانهيارها الباكر:
إنّ ألمانيا لم تعد دولة … فمجموعة من البشر لا يمكنها أن تسمّى نفسها دولة إلاَّ إذا ترابط أفرادها معا للدفاع المشترك عن كل ما يخص هذه المجموعة البشرية. لقد دعا إلى توحيد ألمانيا لكنه أضاف قائلاً: ولن يكون هذا أبداً نتيجة فكر أو حماسة، أنَّه لا يكون إلاَّ بالقوّة … إن جماهير الشعب الألماني لابد أن تتجّمع لتصير كُتلة واحدة لمواجهة أحد الغزاة.
ومن المفترض أنه لم يكن يفكر في نابليون آنئذ، لكن عندما احتاج نابليون (١٨٠٥) النمساويين والروس في أوسترليتز Austerlitz ربما يكون هيجل - ساعتها - قد تساءل عمّا إذا كان هذا الرجل (نابليون) هو الذي عينَّه القدر لتوحيد أوربا كلها وليس ألمانيا وحدها. وفي العام التالي، عندما كان الجيش الفرنسي يقترب من يينا Jena وبدا مستقبل أوربا مُزَعْزَعاً غير واضح المعالم، ورأى هيجل نابليون يمتطى صهوة جواده في شوارع يينا (١٣ أكتوبر ١٨٠٦) كتب لصديقه نيتهامر Niethammer:
" لقد رأيتُ الإمبراطور راكباً يتفقّد المدينة. لقد بدا كأنّه روح العالم. ياله من إحساس رائع حقا أن يرى المرءُ مثل هذا الفرد (الإمبراطور) متمركزا هنا في بُقعة بعينها ممتطيا حصانا بعينه، ومع هذا فهوُ منتشر ممتد عبر العالم، ومن هذه البقعة يحكمه (يحكم العالم) … أن يحدث هذا التقدم من يوم الخميس إلى يوم الأحد، فهذا محال إلاّ إذا كان على رأس المتقدّين رجل فذ غير عادي، إننَّا