فالماء قد يصبح ثلجاً أو بخاراً. فكل حقيقة - كما أدركها هيجل - هي في عملية متطورة من المواءمة أو الملائمة. إنها - أي الحقيقة reality ليست في حالة وجود استاتيكي (ثابت) a static Parmenidean world of Being وإنما هي في حالة سيّالة متحوّلة. فكل شيء ينساب. ففي رأي هيجل أن كل حقيقة وكل فكر وكل شيء وكل تاريخ ودين وفلسفة هي جميعاً في حالة تطور مستمر ليس من قبيل الانتخاب الطبيعي، وإنما من خلال تطور التناقض الداخلي (الفكرة ونقيضها) وما يتمخض عنه من نتائج، ومن ثم التقدم نحو مرحلة أو حالة أكثر تعقيداً.
هذا هو الديالكتيك dialectic الهيجلي الشهير (وهو دياليكتيك فيشته سابقاً، وديالكتيك تعني حرفياً الحوار). إنه ديالكتيك الفكرة thesis ونقيضها antithesis والترابط (الجمع بينهما - الجمعية) Synthesis (أي ما يتمخض عن الفكرة ونقيضها من فكرة جديدة): فالفكرة أو الموقف ينطوي في باطنه على نقيضه ويطوّره ويناهضه ثم يتحد معه ليتخذ وَإيَّاه شكلاً جديداً. والمناقشة المنطقية لابد أن تأخذ شكل البناء الديالكتيكي من عرض ومعارضة وتوفيق. والتداول أو التشاور الحسّاس لابد أن يكون على هذا النحو - وزن الأفكار والرغبات بميزان التجربة. والمقاطعة أو التداخلات في أثناء المناقشة هي كما أصرّت مدام دي ستيل هي حياة الحوار، لكنها تصبح موتاً له (للحوار) إذا لم نجد للتناقض حلا توفيقيا، أو كانت الفكرة النقيضه غير وثيقة بالموضوع، فالترابط - الجمعية Synthesis (أي الفكرة الناتجة عن الفكرة ونقيضها) يرفض الإثبات والنفي، وتتيح مكاناً لعناصر من الموقفين (الفكرتين) المثبتة والنافية.
وكارل ماركس - تلميذ هيجل - كان يرى أنَّ الرأسمالية تحوي في طياتها بذور الاشتراكية، بمعنى أن الشكلين الاقتصاديين المتنافسين لا بد أن يتصارعا حتى الموت، وأن الاشتراكية لابد أن تسود، وتنبأ الهيجليون الأكثر تمسكاً بفكر هيجل أن الرأسمالية والاشتراكية سيتحدان معاً كما نرى في أوروبا الغربية الآن. وكان هيجل أكثر الهيجليين تطرفاً. لقد راح يتتبع المقولات - ليُظهر كيف أن كلا منها - بالضرورة - ناتج عن فكرة ونقيضها. ونظم حججه وبراهينه، وحاول أن يقسم كل عمل من أعماله في شكل ثلاثي (الفكرة ونقيضها والترابط بينهما) وطبق ديالكتيكه على الحقائق realities كما طبقه على الأفكار. فأظهر أن