فليس معنى العبقرية تسويق السعادة وتاريخ العالم ليس مسرحاً للسعادة، ففترات السعادة فيه صفحات عقيمة لأنها فترات الهارمونية (التناسق) عندما تكون الفكرة المضادة antithesis في حالة معطلة (أو بتعبير آخر في لا فاعلية مؤقتة in abeyance) هنا ينام التاريخ.
والعقبة الرئيسية في تفسير التاريخ كحركة تقدم مستمر هي الحقيقة التي مؤداها أن الحضارة يمكن أن تموت أو تختفي تماما. لكن هيجل لم يكن هو الرجل الذي يترك هذه العوارض لتفسد ديالكتيكه. لقد قسّم ماضي البشرية (كما قلنا آنفاً) إلى ثلاث فترات: الشرقية، والإغريقية - الرومانية، والمسيحية ورأى في تعاقبها بعض التقدم. الشرقية أعطت الحرية لرجل واحد وهو الحاكم المطلق، والحضارة الكلاسيكية أعطت الحرية لطبقة تستخدم الرقيق، والعالم المسيحي أعطى لكل شخص روحا تسعى لتحرير الكل. لقد لاقت مقاومة في تجارة الرقيق لكن الثورة الفرنسية أنهت هذا الصراع. وعند هذه النقطة (نحو سنة ١٨٢٢) نجد هيجل يفجر أنشودة شكر مدهشة لهذه الثورة أو لما حدث في أثنائها في السنتين الأوليين:
الأوضاع السياسية في فرنسا لم تكن تقدم شيئاً إلا امتيازات كثيرة غير منظمة، كانت جميعا تُنافي الفكر والعقل وعمت المفاسد الأخلاقية وتدنت أرواح الناس. لقد كان ولابد أن يكون - التغيير عنيفاً لأن الحكومة لم تأخذ على عاتقها مهمة إعادة التحويل أو إعادة تشكيل أوضاع جديدة (فقد كان البلاط والنبلاء ورجال الدين يعارضون ذلك) .. وأثبتت فكرة الحق سلطانها، ولم يستطع النظام القديم القائم على الظلم أن يُقاوم. إنه فجر عقلي ونفسي باهر، فكل الموجودات المفكرة تشارك في التهليل والترحيب (بالثورة الفرنسية). إن الحماس الروحي ملأ العالم.
وسوّد الغوغاء صفحة هذا الفجر لكن بعد أن ضُمِّدت الجراح ظل التقدّم الجوهري، وكان هيجل لا يزال عالمي النظرة حتى إنه اعترف بفضل الثورة الفرنسية الكثير على ألمانيا - لقد أدخلت إليها القوانين النابليونية (المدوّنة القانونية) وألغت الامتيازات الإقطاعية ووسعت قاعدة الحرية ووسعت دائرة الملاك .. وباختصار فإن تحليل هيجل للثورة الفرنسية في