العثمانيون بقطعها في أي فترة زمنية مساوية لفترة الحكومة الثورية الفرنسية.
وكانت الثروة مركزة في يد قلة كما هو عليه الحال في كل مكان (أي أن ذلك لم يكن قصرا على الدولة العثمانية) وكان الأتراك (العثمانيون) أهل فلسفة وشعر كما كانوا أهل حرب، وهم يؤمنون بالقضاء والقدر خيره وشره من الله، لن يغيره تذمرهم، ويعتبرون المرأة المهذبة المعطرة أثمن من أي شيء خلا الذهب، ويؤثرون تعدد الزوجات إن استطاعوا مئونة ذلك، فلم لا يكونون أقدر سلالة؟ ولم يكونوا في حاجة للعاهرات إلا قليلا، وإنما كانت مواخيرهم يرتادها المسيحيون، وكان الترك (العثمانيون) لا يزالون ينتجون أدباً وفنا، فكثر الشعراء وتألقت المساجد وربما كانت إسطنبول هي أجمل مدن أوربا في سنة ١٨٠٠.
لقد كان وضع تركيا من الناحية السياسية محفوفاً بالمخاطر فقد كان اقتصادها وجيشها في حالة مضطربة بينما كانت موارد أعدائها وقواتهم العسكرية في حالة نمو. وكانت عاصمتها (إسطنبول) هي أكثر النقاط إستراتيجية على الخريطة فكانت أوربا المسيحية كلها تتحرق شوقا للاستيلاء على هذه اللؤلؤة. ومدت الإمبراطورة كاترين قبضة روسيا للبحر الأسود، فاستولت على القرم Crimea من التتار Tatars وراحت - بمباركة فولتير - تحلم بتتويج حفيدها - قسطنطين - في إسطنبول (القسطنطينية) - كان هذا هو الوضع عند تولي السلطنة سليم الثالث (١٧٨٩) وهو في السابعة والعشرين من عمره،
وكان قد تلقى تعليما جيدا وكون صداقة حميمة مع السفير الفرنسي، وأرسل ممثلا عنه إلى فرنسا ليكتب له تقارير عن غرب أوربا، سياسة وفكرا وأساليب حياة، وقرر السلطان أنه إذا لم يتم إصلاح المؤسسات التركية إصلاحا جوهريا فلن تستطيع تركيا التصدي لأعدائها، فعقد سلاما مع كاترين في جسي Jassy (١٧٩٢) واعترف بالسيادة الروسية على القرم ونهري دنيستر Dniester وبج Bug ثم كرس نفسه لاستحداث نظام جديد في الإمبراطورية العثمانية، قائم على انتخاب النواب والولاة (المحافظين)، وبمساعدة ضباط وخبراء من غرب أوربا أقام مدارس للملاحة والهندسة وكون بالتدريج جيشا جديدا.
ووضع الخطط لنقض عهوده مع روسيا لكن استيلاء نابليون على مصر ومهاجمته عكا عرقلا خططه، وانضم السلطان إلى إنجلترا وروسيا لشن حرب على فرنسا (١٧٩٨) واستتب السلام في سنة ١٨٠٢ لكن الحرب