من العظمة وتلبّستها اللامبالاة. وراحت الحكومة التي تركها وراءه في باريس - حتى أخوه جوزيف - ترسل له مناشدات لإبرام السلام بأي ثمن.
وفي حالة اليأس هذه قرر نابليون أن يخاطر بكل شيء بالقيام بهجوم آخر يتسم بإستراتيجية خيالية. سيترك أفضل جنرالاته لإيقاف تقدم قوات الحلفاء على قدر ما يستطيعون، ويتجه هو (أي نابليون) بقوات غير كثيرة العدد إلى ناحية الشرق ويحرر الجنود الفرنسيين المحتجزين في الحصون الألمانية على طول نهر الراين، وبهؤلاء الجنود المتمرسين على القتال بالإضافة لكتيبة (كتيبة نابليون) المزوّدة بالمدافع يقطع خطوط مواصلات العدو ويمنع عنه المؤن، ويهاجم مؤخرة حراساتهم ويجبرهم على عدم متابعة تقدمهم، فيمكن بذلك أن تستعيد باريس روحها المعنوية العالية بفضل شجاعته فتبني دفاعاتها، وتتحدّى غزاتها. وفي لحظة أكثر تعقلاً أرسل نابليون تعليمات إلى جوزيف مُفادها أنه إذا كان التسليم وشيكاً فإن على الحكومة أن تصحب ماري لويز، وملك روما (ابنه إلى مكان آمن وراء نهر اللوار حيث يمكن تجميع كل القوات الفرنسية المتاحة لخوض معركة أخيرة).
وبينما كان نابليون يقود قواته المندهشة شرقاً، راح الحلفاء يوماً بعد يوم يحطمون مقاومة بقايا الجيش الفرنسي، ويتحركون ليقتربوا أكثر فأكثر من نهاية رحلتهم الطويلة. وبقي فرانسيس الثاني عند ديجون Dijon غير راغب بالمشاركة في إذلال ابنته، وكان فريدريك وليم الثالث معتدلاً كالعادة، إذ شعر أنه ثأر لتحطيم جيشه وتمزيق بلاده وإبعاده منفياً عن عاصمته، أما إسكندر فقد كان فخوراً متوتراً فلم يعد يجد سعادته في المذابح اليومية، ونظر إلى نفسه باعتباره قد أنجز ما وعد به في فيلنا Vilna من تطهير روسيا ممّن دنّس موسكو وحرر أوروبا من جنون القوة ممثلة في هذا الكورسيكي (نابليون).
وفي ٢٥ مارس قام مارمون ومورتييه بمحاولة يائسة لوقف تقدم الحلفاء عند لافير - شامبنواز La Fere-Champenoise على بعد مائة ميل من باريس، فحارب الفرنسيون بشجاعة منقطعة النظير مع أن قواتهم كانت نصف قوات العدو، حتى أن إسكندر نفسه تقدم إلى ساحة المعركة وأمر بإيقاف هذه المذبحة غير المتكافئة وصاح قائلاً: "أريد إنقاذ هؤلاء