وكان نابليون محلّ إعجاب الطبقة الوسطى باعتباره واضع أسس النظام الاجتماعي والأخلاقي منذ مذابح سبتمبر، وقد أصبح هذا النظام محور فلسفته السياسية، ولكنها - أي الطبقة الوسطى - لم تقدم له الدّعم ولم تقدّم له أبناءها. لقد كانت الطبقة الوسطى تقدّر حرية التجارة وحرية الصحافة لكنها لم تكن تؤيد حرية الاقتراع العامة (السرية) أو الحديث العام؛ فقد كانت تخشى الرّاديكاليين وترغب في قَصْر حق الانتخاب على الملاَّك. لقد كان أفراد الطبقة الوسطى قد انتخبوا مجلس النواب وقرروا حماية حقوق هذا المجلس لمواجهة سلطان الملك (أو الإمبراطور) وسياساته. كما أن ذلك القسم الصاعد من البورجوازية (الصحفيين والمؤلفين والعلماء والفلاسفة) قد أوضح بجلاء أنه سيحارب بكل أسلحته أي محاولة يقوم بها نابليون لفرض سلطة إمبراطورية مرة أخرى.
أما البطل الذي يواجه التحدي فكان هو نفسه ممزّقاً بين الغرض والرغبة. لقد كان ما يزال يعمل بجد، يراقب كل شيء ويدوّن كل شيء، وأحيانا كان يُملي ١٥٠ خطابا في اليوم. لكن فَرْط انتباهه وحذره أوْهنه إذ تبيّن الآن أنه لا يمكنه - إلاّ قليلا - الاعتماد على جنرالاته الجُدد أو مجلسيْه أو الأمة بل ولا حتى على نفسه. لقد كانت الأمراض التي تمكنت منه طوال الست سنوات التالية قد أضعفته بالفعل، لقد وتّره داء البواسير وأذلّه فلم يعد قادرا على العمل لمدة طويلة كما كان حاله أيام تألقه في مارينجو Marengo، وأوسترليتز Austerlitz . لقد كان قد فقد شيئا من صفاء ذهنه ووضوح غرضه وثقته القديمة في النصر؛ تلك الثقة التي كانت مصحوبة بالتفاؤل والبهجة. لقد كان قد بدأ يشك في نجمه his star.
اختار نابليون في المساء نفسه الذي وصل فيه باريس وزارة جديدة، لأنه كان في حاجة إلى عونها تماما. واعتراه السرور عندما علم أن لازار كارنو Lazare Carnot منظّم النصر في أثناء الثورة مستعد لخدمته لمواجهة أعدائه لكن نابليون وجده كبير السن (٦٢ عاماً) لا يتحمل معركة حربية، لكن نابليون عينه وزيرا للداخلية باعتباره شخصا يمكن للجميع الوثوق به. ويكاد يكون هذا السبب هو نفسه الذي دعاه لاختيار جوزيف فوشيه Fouche وزيرا للشرطة إذ كان قد بلغ من العمر ستا وخمسين عاما يخشى الجميع بأسه ويشكّون فيه، وكان يدير شبكة خاصة من الجواسيس وتكاد تكون له علاقات سرّية بكل الفرق، وربما أسرع الحاكم