الآن، تحوّل هؤلاء المقاتلون من السيف إلى القلم، فأراقوا أحبارا كثيرة واستهلكوا أوراقا كثيرة لحفظ ذكريات الإمبراطور من الضياع وليصبح اسمه مقبولا حسن السمعة في فرنسا التي أصبحت بوربونية من جديد، وأمام محكمة التاريخ. وسرعان ما تعبوا أسرع مما تعب هو، فقد شعر أن هذه هي فرصته الأخيرة ليدافع عن نفسه في مواجهة الخطباء والبلغاء والصحفيين ورسّامي الرسوم الكاريكاتيرية الذين مكّنوا أعداءَه من تصويره في صورة لا إنسانية بجعله غولاً متعطشا للدماء. وكان نابليون يعلم أنه لا يمكن أن يكون وازعهم لتسجيل أعماله ومذكراته دون مقابل، لذا فقد أعطى لكل منهم الحق الكامل للتصرف في مخطوطته وما تدرّه من عوائد. والحقيقة أن كل مخطوطة من هذه المخطوطات أفاضت - عندما نُشرت - على كاتبها أو ورثته ثروة.
ومن الطبيعي أن يُبرز المؤلف أفضل الوجوه مبررا أخطاءه لكن - بشكل عام - كانت هذه المذكرات صحيحة بقدر ما يمكن أن يُتوقع من رجل يدافع عما فعله في حياته. وقد كان نابليون قد تعلم في هذا الوقت أنه ارتكب أخطاء خطيرة في مجالي السياسة والقيادة العسكرية.
"لقد كنتُ مخطئا في الاختلاف مع تاليران. لقد كان يمتلك كل ما ينقصني. فلو أنني سمحت له بنفس رضيّة أن يشاركني عظمتي لكان قد خدمني جيدا، ولظللتُ حتى تحين منيتي وأنا أعتلي عرش فرنسا"
وقد اعترف أنه أساء تقدير صعوبات غزو إسبانيا، وقهر روسيا. "لقد تسرّعت في الانطلاق من إلبا. لقد كان عليّ أن أنتظر حتى ينفض مؤتمر فينا وحتى يكون الأمراء والملوك قد عادوا إلى بلادهم". "لا أستطيع أن أفهم حتى الآن الهزيمة في والترلو". "لقد كنت أتمنى أن أموت في واترلو".
لقد كاد الذين أَمْلى عليهم مذكراته يتعبون، فلم يجدوا وقتا لتدوين مناقشاته إلا بشق الأنفس. وكانت بطبيعة الحال شائقة فمن في عصره يضارعه في مغامراته المثيرة التي شملت ثلاث قارات؟ لقد كان راوية ممتازا يذكر كثيرا من النوادر والطرائف في أي موضوع يتناوله. لقد كان بطريقته الموضوعية (المحايدة) فيلسوفا، وكان يمكنه أن يتحدث بتسامح في أي موضوع بدءا من الزراعة حتى زيوس Zeus. لقد قرأ التاريخ وتوسع في قراءته توسعا