الذاتية. وسرعان ما شقّت مذكرات وحكايات الإمبراطور طريقها ولعبت دورا كبيرا في تعديل الأسطورة (أي صورته بين الناس) وجعلته وهو ميت، قوة حيّة في فرنسا.
وأصبح رفاقه هم رُسُله apostles (أي حواريوه وفي هذا تشبيه له بالمسيح، والرسل في المفهوم المسيحي هم الدعاة الأوائل للمسيحية - المترجم)، ودافع عنه أوميرا بشجاعة (١٨٢٢) في عقر دار ألد أعدائه، ودافع عنه لا كاس وجعله بلا أخطاء في كتابه ذي المجلدات الأربعة (١٨٢٣)، ذلك الكتاب الذي أصبح إنجيلا لعقيدة جديدة مُلهمة.
ولم يظهر تقرير الكونت دي مونثولو de Montholon الموسّع حتى سنة ١٨٤٧، كما لم يظهر تقريرا جورجو، وبيرتران Bertrand إلا بعد موتهما، لكن في هذه الأثناء كانت شهادتاهما الحية تغذيان هذا الإيمان (بنابليون)، وراح مونثولو يذكرنا بتوجيهاته لابنه وهو - أي نابليون - على فراش الموت مُضْفيا الفضائل على الماضي الإمبراطوري: الحذر والاعتدال والحكم الدستوري وحرية الصحافة وانتهاج سياسة السلام مع العالم والآن أتى دور النصيحة المناسبة:
"دعوا ابني يقرأ التاريخ ويتأمله، فالتاريخ هو الفلسفة الوحيدة الصادقة".
وحتى في شهادة رفاقه المخلصين فإن الإمبراطور العظيم رغم متاعبه وآلامه وحبسه ومرضه وزيادة أخطائه بحكم كبر سنه، بدا الناس رغم كل هذا وقد نسوا كل هذا وركزوا على انتصاراته الحربية وتراثه الإداري وحدّة ذهنه. لقد كان في الواقع قد تبّرأ من معظم الثورة، فاستبدل الاستبداد بالحرية (أي ترك الحرية وأخذ بالاستبداد) وأحل الارستقراطية محل المساواة والنظام محل جماعات الإخاء (الأخويات)، لكن في صورته الجديدة المعدّلة أصبح مرة أخرى ابنا للثورة واليعاقبة الذين كانوا في وقت من الأوقات أعداءه المضْطهدين، أما الآن فإنهم يتحلّقون حول ذكراه. وفي الوقت الذي كان فيه نابليون ينقِّي سجله ويكفّر عن ذنوبه بما لاقاه من عقاب، كان حكم البوربون الذين حلّوا محله يفقد بريقه، ويقل إقبال الفرنسيين عليه رغم قبولهم إياه في البداية.
لقد كان لويس الثامن عشر نفسه رجلا معقولا تأثر بالتنوير لكنه كان قد سمح أن يسيطر الملكيون على حاشيته، وكان هؤلاء الملكيون غير متسامحين في شيء، ويطالبون بكل شيء بما في ذلك عقاراتهم ومزارعهم القديمة بل ويطالبون بحكومة لا تقيدها مؤسسات التمثيل النيابي. وَوُوجهت المعارضة (بإرهاب