وإلا اضطرب مجرى الإنتاج في داخل البلاد (أو اضطر أصحاب تلك السلع أن يزيدوا من القدرة الاستهلاكية بين أفراد الشعب؛ ولئن كان هذا القول صحيحاً بالنسبة لنظامنا الاقتصادي (يقصد النظام الأمريكي) فهو أصح بالنسبة لليابان، فهي مضطرة كذلك إلى غزو أسواق خارجية، لا لكي تحتفظ بثروتها فحسب، بل لتضمن كذلك الوقود والمواد الخام التي لا غنى عنها لقيام صناعتها؛ ويشاء التاريخ الساخر أن تكون هذه اليابان التي أيقظتها أمريكا من حياتها الزراعية الساكنة سنة ١٨٥٣ ودفعتها في حياة الصناعة والتجارة؛ هي نفسها التي توجه اليوم كل قوتها وكل دهائها لكسب الأسواق الآسيوية، بانخفاض أسعار السلع الأمريكية، ولفرض رقابتها على تلك الأسواق بالغزو الحربي وبالأساليب الدبلوماسية، تلك الأسواق التي كانت هي بعينها ما علقت أمريكا رجاءها عليها لأنها أوسع مخرج يمكن تهيئته لفيض البضائع الأمريكية؛ وقد عهدنا في التاريخ أنه إذا تنافست دولتان على أسواق بعينها، فإن الدولة الخاسرة في مجال المنافسة الاقتصادية- إذا ما كانت أقوى من زميلتها ثروة وعدة حربية- هي التي تعلن الحرب على الأخرى.
ولاشك أن حرباً كهذه لو نشبت بين أمريكا واليابان، كانت خاتمة مُرة لما أسدته أمريكا من يد في فتح أعين اليابان؛ لكن شؤون الدول ينتابها مَدٌّ لو أفلت زمامه من أيدي القابضين على الأمور، قبل أن يستجمع قوته، فإنه لا بد مكتسح الأمة التي يطفو بأرضها، إلى مأزق من الظروف لا يدع أمامها مجالاً للاختيار إلا بين طريقين، فإما الذل وإما القتال؛ ويميل مَنْ قد تجاوزوا سن الجندية، إلى إيثار الحرب على الخشوع؛ وليس يقلل من خطر نشوب قتال بيننا وبين اليابان؛ الاحتمالُ القوي بأن تنشب حرب بينها وبين روسيا؛ لأنه لو عادت هاتان الأمتان إلى تحدي إحداهما الأخرى، فقد لا نجد بداً من التدخل في الأمر على أساس المبدأ القديم، ذلك المبدأ الذي نهضت لتأييده