يولد سقراط أيضاً- مفكراُ كانت له حكمة رزينة لا تكاد تغير منها شيئاً إذا أرادت أن تجعلها هادية للناس في عصرنا هذا، ومصدر وحي لأولئك الذين يودون مخلصين أن يسوسوا الدول سياسة شريفة.
وسابع عناصر المدنية هو الأدب- وهو نقل اللغة على تتابع الأجيال، وتربية النشء وترقية الكتابة وإبداع الشعر والمسرحية والحافز على القصة وتدوين ذكريات الماضي؛ وأقدم ما نعرف من مدارس هو ما كان منها في مصر وبلاد النهرين، بل إن أقدم المدارس الحكومية كانت مصرية كذلك؛ والأرجح أن تكون الكتابة قد جاءتنا من آسيا، كما جاءت أحرف الهجاء والورق والمداد من مصر، ثم جاءت الطباعة في الصين؛ ويظهر أن البابليين قد جمعوا أقدم مجموعة من قواعد النحو وقواميس الألفاظ وأول ما جمع من مكتبات؛ والاحتمال قوي في أن تكون جامعات الهند قد سبقت أكاديمية أفلاطون، وصقل الآشوريون أنباء الأساطير فجعلوا منها تاريخاً، ثم نفخ المصريون في التاريخ فجعلوه ملحمة؛ وقدم الشرق الأقصى إلى العالم تلك الصور الرقيقة من الشعر التي تركز كل روعتها في نظرات صادقة لطيفة يصوغونها في صور خيالية ترتسم في أذهانهم لساعتها؛ وكان "نابونيدوس" و "أشور بانيبال" من رجال البحث الأثري- وهما اللذان استكشف الباحثون الأثريون آثارهما؛ وترجع طائفة من الحكايات القديمة الخرافية التي تمتع أطفالنا إلى الهند القديمة.
وثامن عناصر المدنية هو الفن- وهو تجميل الحياة بالألوان والأنغام والصور التي تشرح الصدور؛ والفن في أبسط ظواهره يكون في تجميل البدن، فنرى ثياباً رشيقة ومجوهرات فاخرة ودهوناً للزينة الداعرة، نجد كل ذلك في العصور الأولى من حضارة المصريين والسومريين والهنود؛ وإن المقابر المصرية لتملؤها قطع الأثاث الجميلة والخزف الرشيق والنحت الرائع في العاج والخشب؛ ولا شك في أن اليونان قد تعلموا شيئاً من مهارتهم في النحت والعمارة والتصوير والنقش البارز، لا من آسيا وإقريطش فحسب،