أو أكثر منها إثارة لحاسة الجمال. وإذا ما طاف الإنسان ببحر إيجة أدرك لساعته لم أحب سكان هذه الشواطئ والجزائر بلادهم حبهم للحياة أو أكثر منها، ولم كانوا يرون كما يرى سقراط أن النفي أشد ألماً من الموت. يضاف إلى هذا الجزائر منثورة كاللآلئ في جميع الجهات، وكان يراها متقاربة فلا تكاد سفينة تبعد عن الأرض أكثر من أربعين ميلاً، سواء أكان مسافراً من الغرب إلى الشرق أم من الشمال إلى الجنوب. وإذا كانت هذه الجزائر البارزة فوق سطح الماء هي قلل سلاسل جبلية قديمة، متصلة بعضها ببعض، كسلاسل الجبال في بلاد اليونان القارية، طغى عليها البحر على توالي الأيام، فإن عين الملاح المرتقب كانت تقع على الدوام على قلة من هذه القلائل المحببة كأنها تحييه وترحب بمقدمه؛ وكانت أشبه بمنارات تهتدي بها السفن في وقت لم تكن تهتدي فيها بالبوصلة البحرية. وفوق هذا كله فإن حركات الريح والماء كانت تعين الملاح على الوصول إلى هدفه. فقد كان تيار مائي قوي أوسط يسير من البحر الأسود إلى بحر إيجة، وكانت تيارات أخرى مضادة له تسير نحو الشمال محاذية لشواطئ البحر، وكانت الرياح الشمالية الشرقية تهب بانتظام في فصل الصيف فتساعد السفن التي خرجت من موانيها لتأتي بالحب والسمك والفراء من البحر اليكسيني Euxine (١) على العودة إلى موانيها في
(١) كان اليونان يسمون البحر المتوسط Ho Ponttos أي الممر أو الطريق، وكانوا يسمون البحر الأسودتسمية يراعون فيها التجميل في اللفظ Pontos Euxienos البحر المحب للأضياف- وربما كان سبب هذه التسمية أنه يقابل السفن المقبلة من الجنوب برياح وتيارات معاكسة لها. وكانت الأنهار الواسعة التي تصب ماءها فيه، والضباب الكثير الذي يقلل من سرعة البحر يجعلان مستوى الماء في البحر الأسود أعلى من مستواه في البحر المتوسط؛ ومن أجل هذا كان تيار مائي قوي يندفع خلال مضيق البسفور (مخاضة الثور) الضيق ومضيق الدردنيل إلى بحر إيجه، وكانوا يسمون بحر مرمرة البروبنتيس Propontis أي ما قبل البحر.