خمساً وأربعين قدماً، ولا تقل أبهاؤه وأفنيته عن مثيلاتها في كنوسس؛ ففناؤه الأوسط مربع مرصوف يبلغ اتساعه عشرة آلاف قدم مربعة، وحجرة الاستقبال فيه تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف، اي أكبر من الردهة العظيمة، ردهة البلطة المزدوجة، في العاصمة الشمالية.
وعلى بعد ميلين من فستوس في اتجاه الشمال الغربي منها تقع حاجيا تريادا؛ وإلى بيتها الملكي الصغير (كما يسميه علماء الآثار) يلجأ أمير فستوس ليتقي حر الصيف. وكان طرف الجزيرة الشرقي في الأيام المينوية غنياً بالبلدان الصغيرة: سواء أكانت ثغوراً مثل زكرو ومكلوس، أو قرى مثل بريسوس Preasus، وبسيرا pseira، أو أحياء لسكنى العظماء مثل بليكسترو، أو مراكز صناعية مثل جورنيا. والشارع الرئيسي في بليكسترو حسن الرصف كثير المجاري، تقوم على جانبيه بيوت رحبة؛ منها بيت يحتوي على ثلاث وعشرين حجرة في الطابق الذي بقي منه حتى الآن. ولجورنيا أن تفخر بما كان فيها من شوارع واسعة مرصوفة بالجبس وبيوت مشيدة بالحجارة من غير ملاط، وحانوت حداد لا يزال كيره باقياً إلى الآن، وحانوت نجار وجد فيه صندوق يحتوي على عدد، ومصانع تعج بصناع المعادن؛ وصناع الأحذية والمزهريات، وتكرير الزيت، والنسيج، وإن العمال الذين يكشفون عن تلك الآثار في هذه الأيام ويجمعون ما فيها من مناضد ذات ثلاثة قوائم، وجرار، وفخار، وأفران، ومصابيح، ومدى، و"هاونات"، وأدوات للصقل. وخطاطيف، ودبابيس، وخناجر، وسيوف، نقول إن العمال الذين يكشفون الآن عن تلك الآثار ويجمعونها لتعتريهم الدهشة من كثرة ما كانت تخرجه مصانعها من أدوات مختلفة الأنواع ويطلقون عليها أسم "مدينة الآلات". وإذا قيست شوارع المدينة إلى شوارعنا في هذه الأيام بدت لنا ضيقة، فهي لا تزيد على أزقة من طراز أزقة المدن الشرقية الواقعة قرب المدارين، والتي تخشى حر الشمس اللافح، أما بيوتها المستطيلة الشكل المشيدة من الخشب أو الآجر أو الحجر، فلا ترتفع في الغالب