وروح النضارة والمرح والخفة التي تبعث البهجة في رقص الكريتي ولعبة هي نفسها التي تبعث الحياة في أعماله الفنية. ولم يخلف لنا الكريتي من مبانيه شيئاً من الأعمال ذات الأبهة والفخامة، أو ذات الطراز الراقي العظيم؛ بل نراه يفعل ما يفعله الياباني في عصر السموراي؛ فيجد اللذة والبهجة فيما تمتاز به الفنون الصغيرة من دقة، وفي تزيين الأدوات التي يستخدمها في حياته اليومية، وفي إحكام صنع الأشياء الصغيرة والوصول بها إلى درجة الكمال. وهو يقبل ما يمليه عليه العرف في الشكل وفي الموضوع شأن كل الحضارات الأرستقراطية، ويتحاشى البدع المفرطة في الجدة، ويتعلم الحرية داخل قيود الذوق والمحافظة على القديم. وقد برع الكريتي في صناعة الفخار، وفي قطع الجواهر، وفي حفر مواضع الفصوص في الخواتم، وفي النقوش البارزة حيث تتاح له الفرصة لإظهار ما طبع عليه من مهارة ودقة. وهو لا يجد صعوبة في صياغة الذهب والفضة، وتركيب الأحجار الكريمة، وصنع أنواع كثيرة من المجوهرات. وهو يحفر على الأختام التي يصنعها ليوقع بها الوثائق الرسمية والبطاقات التجارية والصكوك المالية، يحفر على هذه الأختام كثيراً من مظاهر الحياة العادية مفصلة دقيقة، وكثيراً من مناظر كريت الطبيعية، تكفي وحدها لأن نتصور منها ما كانت عليه الحضارة الكريتية. وهو يصنع من البرنز طاسات، وأباريق، وخناجر، وسيوفاً مزدانة بصور النبات والحيوان ومرصعة بالذهب والفضة والعام والحجارة النادرة. وقد خلف لنا في جورنيا Gournia، رغم عبث اللصوص مدى ثلاثة آلاف عام؛ كأساً من الفضة مصقولة صقلاً فنياً جميلاً، كما خلف في أماكن متفرقة من الجزيرة، قروناً للشراب تبرز من رؤوس الآدميين أو الحيوان يكاد الإنسان حتى في هذه الأيام يحس فيها أنفاس الحياة.
ولم يترك شكلاً من أشكال الفخار إلا صنعه وبرز في هذه الأشكال كلها تقريباً، فقد صنع المزهريات، والصحاف، والفناجين، وأقداح الشراب،