وشبت نار الثورة فعلاً؛ وكان ثيوجنيز من بين من نفتهم الدمقراطية المنتصرة من البلاد، وصودرت أملاكه. فترك زوجته وأطفاله في رعاية بعض أصدقائه، وأخذ ينتقل من دولة إلى دولة - من عوبية، إلى طيبة، إلى إسبارطة، إلى صقلية؛ وكان يجد فيها بادئ الأمر الطعام والحفاوة جزاء له على شعره، ثم حل به بعدئذ ما لم يتعوده من ضنك شديد. وأنطقه غيظه بتلك الأسئلة يوجهها إلى زيوس، وما أشبهها بالأسئلة التي يوجهها أيوب إلى يهوه:
طوبى لك يا جوف يا ذا الحول والطول! إني أنظر إلى العالم وأنا مندهش غاية الدهشة، متحير من أساليبك فيه .. يا عجباً كيف ينطبق فعلك فيه على إدراكك للحق والباطل إذا كنت توزع نعمك على الصالح والطالح على حدٍ سواء؟ وإذن فكيف يعرف الناس كنه شرائعك أو يدركون معناها؟ (١٠١).
ويصب جام غضبه على زعماء الدمقراطية، ويرجو زيوس الإله الذي تخفى على الناس طرائقه أن ينعم عليه بشرب دمائهم (١٠٢). وهو يشبه مجارا بسفينة استبدل بقائدها ملاحون عاجزون لا يعرفون قيمة النظام في العمل (١٠٣). وتلك على ما نعلم هي أول مرة يستخدم فيها هذا التشبيه. ويقول إن بعض الناس أقدر من غيرهم بفطرتهم، وإن الأرستقراطية في صورة نظام لا بد منه؛ وهكذا نرى أن الناس في ذلك العهد القديم قد تبينوا أن الأغلبية لا تحكم قط. وهو يستخدم لفظ الأخيار hoi agathoi بمعنى الأشراف، ولفظ الأشرار أو الأراذل أو المنحطين hoi kokoi بمعنى السوقة. ويقول إن هذه الفروق المتأصلة لا يمكن
(١) إن نسبة هذه القصائد والقصائد التي سيرد ذكرها فيما بعد إلى فترات معينة في حياة ثيوجنيز ظني محض.