والفنون، وأساليب الحياة، والأفكار؛ من أقوى العوامل في نشأة حضارة اليونان المعقدة.
وسارت الهجرات في خمسة خطوط رئيسية - إيوليّة، أيونيّة، دورية، يكسينية Euxine، إيطالية .. وبدأت أقدمها في الدويلات الشمالية من أرض اليونان الأصيلة، وهي التي لاقت أولى الغزوات من الشمال والغرب. فقد سارت على مهل جحافل من المهاجرين من تساليا، وثيوتس، وبؤوتية، وإيتوليا، لم تنقطع طوال القرنين الثاني عشر والحادي عشر، مخترقة بحر إيجة، وزحفت على الأصقاع المحيطة بطروادة، وأنشأت فيها المدائن الاثنتي عشرة التي تألف منها الحلف الإيولي. ويبدأ الخط الثاني من خطوط الهجرة في البلوبونيز حيث فرَّ آلاف من الميسينيين والآخيين على أثر "عودة الهرقليين"، واستقر بعضهم في أتكا والبعض الآخر في عوبية، وخرج الكثيرون منهم إلى جزائر سكلديس، وجازفوا باختراق بحر إيجة، وأسسوا في غربي آسية الصغرى المدائن الاثنتي عشرة التي تألف منها الحلف الأيوني الاثنى عشري Ionian Dadecapolis. وسار في الخط الثالث من خطوط الهجرة الدوريين الذين فاضت بهم أرض البلوبونيز، فاستقروا في جزائر سكلديس، وفتحوا كريت وسيريني، وأنشأوا حلفاً من ست مدن دُورية Dorian Hexapolis حول جزيرة رودس. وبدأ الخط الرابع في مكان ما من بلاد اليونان واستقر من ساروا فيه على سواحل تراقية، وأنشأوا مائة مدينة على شواطئ الدردنيل، والبروبنتس (بحر مرمرة) والبحر اليكسيني (البحر الأسود). واتجه الخط الخامس نحو الغرب إلى الجزائر التي أسماها اليونان الجزائر الأيونية، ثم اخترق إيطاليا وصقلية حتى بلغ آخر الأمر غالة وأسبانيا.
وليس في وسع إنسان ما أن يتصور ما قام من العقبات في سبيل هذه الهجرة الطويلة المدى التي دامت مائة عام، أو كيف ذللت، إلا إذا كان عطوفاً واسع الخيال أو كان قوي الذاكرة لم ينسَ ما لقيناه نحن الأمريكيين