وأحبها إلى الشعب، وهو إله يصعب علينا كل الصعوبة أن نحدد مكانه بين هاته الآلهة. ذلك هو ديونيسس الذي لم يقبل بين آلهة أولمبس إلا في أخريات أيامه. ذلك أنه كان في أول الأمر من آلهة تراقية، قبل أن تهبه تلك البلاد اليونان. وكان في موطنه الأصلي إله الشراب المعصور من الشعير، وكان اسمه سبزيوس Sabazius، فلما جاء بلاد اليونان أصبح إله الخمر، ومغذي الكروم وحارسها. وكان في بادئ الأمر إلهاً للخصب، ثم أصبح إله السُّكْر، وانتهى أمره بأن صار ابن الله الذي مات لينجي البشر. واختلطت عدة صور وأقاصيص بعضها ببعض لتكون منها أسطورته، فكان اليونان يتخيلونه في صورة زجريوس Zagreus أي "الطفل المقرن"، الذي ولد لزيوس من أخته برسفوني. وكان أحب أبناء زيوس إليه، ويجلس إلى جواره على عرشهِ في السماء. ولما حسدته هيرا على منزلتهِ وأغرت الجبابرة بقتلهِ، بدله زيوس بماعز ثم بثور ليخفيه عن الأنظار. ولكن الجبابرة قبضوا عليه وهو في هذه الصورة الثانية، وقطعوا جسمه إرباً، سلقوها في قدر. وفعلت به أثينا فعل ترلوني Traliwnay، فأنقذت قلبه وحملته إلى زيوس؛ وأعطاه زيوس ألى سميلي Smele فحملت به وولدت الإله مرة أخرى وسمي بعد مولده ديونيسس (١).
وكان الحزن على موت ديونيسس والاحتفال والسرور ببعثهِ أساس طقوس دينية واسعة الانتشار بين اليونان. فقد كانت النساء اليونانيات يصعدن التلال
(١) وقد فسر ديودور الصقلي من زمن بعيد يرجع إلى عام ٥٠ ق. م هذه القصة على أنها أسطورة من أساطير الإنبات، فقال إن زجريوس، الكرم، هو ابن دمتر، الأرض، بعد أن لقحها زيوس، المطر. ويقطع، أي يشذب، الكرم كما يقطع الإله ليحيا حياة جديدة، ويغلي عصير العنب ليكون نبيذاً. ويولد الكرم مولداً جديداً في كل عام، بعد أن يستمد غذاء من المطر. وقد وجد هيرودوت بين أسطورتي ديونيسس وأزيريس من أوجه الشبه الكثيرة ما جعله يجمع بين الإلهين في مقاله الذي يعد من أول ما كتب من المقالات في مقارنة الأديان.