للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعدها حقاً لها تنعم بها دون سائر النساء (٢٥). وإن تصوير نسكا ليعد مقالة بديعة تنطق بمقدرة الذكور على فهم الإناث؛ والحق أننا لم نكن نتوقع أن يرسم يوناني هذه الشخصية الرقيقة الروائية. ولم يصور تلمكس تصويراً قوياً واضحاً، فهو مصاب بداء التردد كأن به مساً من هملت. أما صورة أوديسيس فهي أكمل صور الشعر اليوناني وأكثرها تعقيداً. وقصارى القول أن الأوذيسة رواية بديعة ساحرة في قالب شعري، مليئة بالعواطف الرقيقة والمغامرات المفاجئة، تستمتع بها النفس المسالمة التي في سن الكهولة أكثر مما تستمتع بالإلياذة الفخمة التي يراق فيها الكثير من الدماء.

وقد أضحت هاتان القصيدتان- وهما كل ما بقي من سلسلة طويلة من الملاحم- أثمن العناصر في تراث اليونان الأدبي كله. وبفضلهما صارت دراسة "هومر" العنصر الأساسي في نظام التعليم اليوناني، ومستودع الأساطير اليونانية، ومنبع ألف من المسرحيات، وأساس التدريب الخلقي؛ وأعجب من هذا كله أنه صار الكتاب المقدس الذي يستمد منه اليونان دينهم الصحيح.

وفي ذلك يقول هيرودوت- وأكبر الظن أن في قوله بعض المبالغة- إن هومر وهزيود هما اللذان خلعا على الآلهة الأولمبية صورة الأناسي، واللذان أدخلا النظام في مملكة السماء الكهنوتية (٢٦). وإنا لنجد في آلهة هومر كثيراً من أسباب العظمة والفخامة، ونحن نحبها لما نتبين فيها من نقائض، ولكن العلماء قد تبينوا من زمن طويل في الشعراء الذي صوروها تشككاً ومرحاً لا يليق وصفه في كتاب يعد بحق كتاب اليونان القومي المقدس. فتلك الآلهة تتنازع كما يتنازع الأقارب، وتفسق كما تفسق البراغيث، وتشترك مع بني الإنسان فيما خيل إلى الإسكندر أنه وصمة البشرية- ونعني بذلك حاجتها إلى الحب وإلى الندم؛ ويجوز عليها كل ما يجوز على الآدميين إلا الجوع والموت. وليس فيها