وكانت الملاكمة من الألعاب القديمة، ونكاد نوقن أنها مأخوذة عن كريت المينوية وبلاد اليونان الميسينية. وكان المتبارون ينازل بعضهم بعضاً بكرات للكم معلقة بمحاذاة الرأس ومحشوة ببذور التين أو الدقيق أو الرمل. وفي عصر اليونان الزاهر (أي في القرنين الخامس والرابع) كان الملاكمون يلبسون "قفازات لينة" من جلد الثيران، معالجة بالدهن، وتكاد تصل إلى المرافق، وكانت الضربات مقصورة على الرأس ولكنهم لم تكن لديهم قواعد تحرم ضرب اللاعب إذا وقع على الأرض. ولم تكن هناك أشواط أو فترات للراحة، بل كان الملاكمان يواصلان اللعب حتى يستسلم أحدهما أو يعجز عن الملاكمة. ولم يكونوا يقسمون حسب أوزانهم، بل كان في مقدور أي إنسان مهما يكن وزنه أن يشترك في المباريات. ومن ثم كان ثقل الجسم ذا نفع كبير لصاحبه، وانحطت الملاكمة لهذا السبب في بلاد اليونان وتحولت من مباراة في المهارة إلى منازلة بالقوة العضلية.
وازدادت وحشية اللاعبين على مر الزمن فجمعوا المصارعة والملاكمة في مباراة جديدة سموها لعبة القوى مجتمعة (pankration) . وكان يسمح في هذه اللعبة بكل شيء عدا العض وفقأ العين، وحتى الركل في البطن كان مسموحاً به أيضاً (٤٠). وقد وصلت إلينا أسماء ثلاثة من أبطال هذه المباراة هزموا من نازلوهم لأنهم كسروا أصابعهم (٤١)، وكال أحدهم لغريمه ضربات وحشية بأصابعه الممدودة وأظافره الطويلة القوية التي اخترق بها جلده وانتزع بها أمعاءه من بطنه (٤٢). لكن ميلو الكروتوني كان ملاكماً أظرف من هؤلاء وأحب إلى النفوس، ويروى عنه أنه نمى قوة جسمه بحمل عجل صغير في كل يوم من حياته حتى كبر هذا العجل وأصبح ثوراً كامل النمو. وكان الناس يحبونه لحيله ودهائه، فقد كان يمسك في يده الرمانة ويقبض عليها بقوة لا يستطيع معها أي إنسان أن ينتزعها منه، ومع ذلك كانت الرمانة تبقى سليمة لا ينالها أذى؛ وكان يقف على قرص من الحديد مدهون بالزيت ويقاوم كل ما يبذل من الجهد لزحزحته عن مكانه؛