تاريخ اليونان. ولما آذن هذا القرن بالانتهاء أنشأ أنتسثنيز Antisthenes وأرخستراتس المؤسسة التي أضحت في عهد باسيون Pasion أشهر المصارف اليونانية التي يملكها الأفراد، وعن طريق هؤلاء الصيارفة كانت الأموال تتداول بحرية وسرعة أكثر من تداولها قبل وجود هذا النظام، وكانت لهذا تيسر من الأعمال أكثر مما كانت تيسره قبل وجودهم. وبفضل هذا التيسير راجت التجارة الأثينية واتسعت أسواقها ونشطت أكثر من ذي قبل.
وكانت التجارة، لا الصناعة ولا الأعمال المالية، روح الاقتصاد الأثيني. ذلك أنه وإن ظل الكثيرون من المنتجين حتى ذلك الوقت يبيعون منتجاتهم إلى المستهلك مباشرةً، فإن عدداً متزايداً منهم كان في حاجة إلى وساطة السوق التي كانت وظيفتها شراء السلع وخزنها حتى يستعد المستهلك لشرائها. وبهذه الطريقة نشأت طبقة من بائعي التجزئة يعرضون بضائعهم في شوارع المدن، أو في مؤخرة الجيوش، أو في الأعياد والاحتفالات العامة، أو يعرضونها للبيع في حوانيت أو "أكشاك" في الأماكن المزدحمة أو غير المزدحمة في المدن. وكان الأحرار والغرباء والأرقاء يذهبون إلى هذه الأماكن ليساوموا التجار ويبتاعوا ما تحتاجه البيوت. وكان من أقسى القيود المفروضة على النساء "الحرائر" في أثينة أن العادات لم تكن تبيح لهن أن يخرجنَ إلى الأسواق ليشترين منها حاجتهنَ.
وتقدمت التجارة الخارجية لبلاد اليونان أسرع من تقدم التجارة الداخلية نفسها، لأن الدول اليونانية أدركت مزايا توزيع العمل بين بعضها البعض الآخر فتخصصت كل منها في إنتاج نوع من المنتجات. فصانع الدروع مثلاً لم يعد ينتقل من مدينة إلى مدينة تلبية لطلب مَن يحتاجه بل أخذ يصنع دروعه في حانوتهِ ويبعثُ بها إلى أسواق العلم القديم. وهكذا انتقلت أثينة في قرن واحد من الاقتصاد المنزلي- الذي يصنع فيهِ كل منزل