في البيع والشراء، لا يتركون نقطة في حديثهم من غير جدل ومناقشة؛ إذا عجزوا عن محاربة غيرهم من الأمم تحاربوا فيما بينهم. وليسوا على جانب كبير من رقة العواطف، يعيبون على يوربديز دموعه في مسرحياته، يشفقون على الحيوان ويقسون على الإنسان: فهم يعذبون العبيد دون ذنب، ويخيل إلى من يراهم أنهم ينامون ملء جفونهم بعد أن يذبحوا جميع من في المدينة من غير المحاربين، ولكنهم مع ذلك يكرمون العاجز والفقير؛ ودليلنا على ذلك أنه لما علمت الجمعية أن حفيدة أرستجيتون Aristogeiton قاتل الطغاة تعيش في لمنوس فقيرة معدمة، أمدتها بالمال ليكون لها بائنة ولتحصل به على زوج لها. وكان المظلومون المضطهدون من المدن الأخرى يجدون في أثينة ملجأ يحميهم ويعطف عليهم.
والحق أن الأثيني لم يكن يفكر في الأخلاق كما نفكر فيها نحن الآن. فهو لا يأمل أن يكون له ما للصالحين من أفراد الطبقة الوسطى من ضمير، أو ما للأشراف من شعور بالشرف، بل يرى أن أحسن الحياة هي الحياة الكاملة، المليئة بالصحة، والقوة، والجمال، والانفعال، والثراء، والمغامرة، والتفكير. والفضيلة عنده هي الرجولة (Arete) - أو الحربية كما كان معنى اللفظ في بادئ الأمر - والتفوق (Ares أي المريخ)، وهي تقابل بالضبط كلمة Viritus عند الرومان ومعناها الرجولة. والرجل المثالي عند الأثينيين هو الكلوجاثوس Kalogathos أي الذي يجمع بين الجمال والعدالة في فن من فنون العيش الراقية، والذي يقدر في صراحة قيمة الكفاية، والشهرة، والثراء، والصداقة، كما يقدر الفضيلة وحب الإنسانية. ويرى الأثيني كما يرى جوته أن ترقية النفس هي كل شيء. ويختلط بهذا المبدأ عنده قدر من الغرور لا نستسيغه نحن لصراحته: فاليونان لا يملون الإعجاب بأنفسهم، ويعلنون في كل مقام تفوقهم على غيرهم من المحاربين، والكتاب، والفنانين، والشعوب بأسرها. وإذا شئنا أن نعرف الفرق بين اليونان والرومان فما علينا إلا أن نوازن بين الفرنسيين والإنجليز، وإذا أحببنا أن نحس بالروح