فيها الضوء والظل، ولذلك قال عنه بلني إنه كان "أول من رسم الأشياء كما تبدو حقاً"(١٤).
على أن المصورين اليونان لم يفيدوا من هذه الاستكشافات فائدة تامة، فكما أن صولون كان يسخر من الفن المسرحي ويعتقد أنه خداع، فكذلك يبدو أن الفنانين كانوا يرون أنه لا يليق بهم وأنه يحط من كرامتهم أن يظهروا السطح المستوي بمظهر الجسم ذي الثلاثة الأبعاد. ولكن فن المنظور وتوزيع الضوء والظل هما اللذان رفعا من شأن زكسيس Zeuxis تلميذ أبلودورس وجعلاه أعظم المصورين في القرن الخامس. وقد قدم زكسيس من هرقلية (بنتيكا Pontica) إلى أثينة حوالي ٤٢٤ ق. م، وعد مجيئه إليها حادثاً تاريخياً خطيراً رغم ضجيج الحرب القائمة وقتئذ. وكان "شخصاً" جريئاً مغروراً بنفسه، يصور تصوير المغرورين. وكان في الألعاب الأولمبية يتبختر في قباء ذي مربعات طرز عليها اسمه بالذهب، وكان في مقدوره أن يكون له مثل هذا القباء لأنه كان وقتئذ قد جمع "من عمله ثروةً طائلة"(١٥). ولكنه كان يعمل بعناية الفنان العظيم وإخلاصه، ولما أن أخذ اجاثاركس Agatharchus يزدهي بسرعته في التصوير رد عليه زكسيس في هدوء: "إني أحتاج إلى وقت طويل". وتخلى عن عدد كبير من روائع صوره بحجة أنها لا تقدر بثمن مهما عظم، وكان الملوك يعدون أنفسهم سعداء حين يحصلون عليها، ولم تكن المدن أقل حرصاً على اقتنائها من الملوك.
ولم يكن له في جيله إلا منافس واحد هو برهسيوس Parrhassius الإفسوسي الذي لا يكاد يقل عنه في عظمته، ولم يكن بالتأكيد أقل منه عجباً بنفسه. وكان برهسيوس يضع على رأسه تاجاً من الذهب ويلقب نفسه "أمير المصورين"، ويقول أنه أوصل الفن إلى درجة الكمال (١٧). وكان يعمل هذا كله في مرح ومزاح ويغني وهو يرسم (١٨). وتقول الشائعات أنه اشترى عبداً وعذبه لكي يدرس عليه ما يبدو على وجهه من مظاهر الألم فيستطيع أن يرسم صورة بروميثيوس (١٩). وما أكثر القصص التي يتناقلها الناس عن الفنانين. وكان