للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في أماكن خافية على عقولهم؛ واخترعت لهم العدد باعث الفلسفة، وعلمتهم تركيب الحروف، ووهبت لهم الذاكرة صانعة كل شيء، وأم التفكير الحلو الجميل. وكنت أول من ذلل الحيوان لخدمة الإنسان … وأنا دون سواي الذي ابتدعت السفن … وأنا الذي اخترعت كل هذه الفنون لبنى الإنسان لا أجد الآن وسيلة أنجي بها نفسي" (٤٣).

وتحزن الأرض كلها لحزنه، "فإذا تلاطمت أمواج البحر صرخت، وخرج من أعماق البحار أنين حزين، وانبعث من كهوف الموتى عويل". وترسل الأمم كلها تعازيها إلى هذا السجين السياسي، وتأمره أن يذكر أن الألم يطوف بكل الخلائق، "فالحزن يسير في الأرض، ويجلس عند قدمي المخلوقات واحداً بعد واحد"، ولكنهم لا يفعلون شيئاً لإنقاذه. ويشير عليه "أقيانوس" بالخضوع لزيوس "لأن الذي يحكم، يحكم بالقسوة لا بالحق"؛ وتعجب الأقيانوسات بنات البحر ولا تدري هل الإنسانية جديرة بأن يعذب أحد من أجلها فيصلب على هذا النحو؛ "لقد كانت تضحيتك هذه أيها الحبيب تضحية لا جدوى منها. ألم تر الجنس البشري ضعيفاً في جهده ونشاطه، يتألف من حالمين خياليين مكبلين بالأغلال؟ " (٤٤). ومع هذا فإن تلك البنات يعجبن به إعجاباً يحملهن على البقاء إلى جانبه حين يهدده زيوس بإلقائه إلى طرطروس Tartarus ليواجهن معه الصاعقة التي تقذف به وبهن إلى الهاوية. غير أن بروميثيوس تمنع عنه راحة الموت لأنه من الآلهة ومن أجل ذلك يرفع في الخاتمة المفقودة للرواية الثلاثية من طرطروس ليشد مرة أخرى إلى صخرة جبلية، ويرسل زيوس نسراً ينخر قلب المارد الجبار. لكن القلب ينمو بالليل بنفس السرعة التي ينخره بها النسر بالنهار، وبهذه الطريقة يقاسي بروميثيوس العذاب مدى ثلاثة عشر جيلاً من أجيال الآدميين. ثم يقتل الجبار الرحيم هرقل النسر ويقنع زيوس بفك أغلال