للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمطر الذي تنفذ مياهه إلى العظام، والحشرات التي تضاعفت في الشعر، وحرارة الصيف الخانقة في إليون، وبرد الشتاء القارس الذي تساقطت منه الطيور جميعها موتى. وتخرج كلتيمنسترا من القصر كئيبة متهيجة الأعصاب، ولكنها مع ذلك ذات كبرياء، وتأمر أن تنثر في طريق أجممنون السجف الثمينة. ويقبل الملك في عربته الملكية، يحف به جنوده، منتصب القامة فخوراً بما أحرزه من نصر، ومن خلفه عربة أخرى تحمل كسندرا الجميلة السمراء، وهي الأميرة والمتنبئة الطروادية، جارية أجممنون ومشبعة شهوته رغم أنفها، وهي التي تتنبأ وقلبها غاضب حاقد بأنه سوف يلقى جزاءه، كما تتنبأ في حزنها بموتها. وتصف كلتيمنسترا للملك بلسان زلق شوقها لعودته خلال السنين الطوال: "لقد نضبت من أجلك ينابيع دموع عيني الفياضة، فلم تبق فيها قطرة واحدة، ولكنك تستطيع أن ترى فيهما كيف أضناهما سهري، وأنا أترقب في حزن بشائر نصرك المبطئة، وكيف كنت أقوم مسرعة من نومي المضطرب إذا هزت البعوضة جناحها لأني كنت أحلم بمتاعبك المضنية الطويلة، وقد تجمعت كلها أثناء نومي القصير" (٤٨). ويرتاب أجممنون في إخلاصها ويلومها أشد اللوم على إسرافها في فرش السجف المطرزة تحت سنابك خيله، ولكنه يتبعها إلى القصر وتصحبه كسندرا مذعنة مستسلمة. وتردد فرق المرتلين بصوت منخفض في خلال فترة الراحة الطويلة أغنية تنذر بشر مستطير. ثم تنبعث من الداخل صرخة كان كل سطر من أسطر المأساة يهيئ الآذان لسماعها، صرخة أجممنون حين يغتاله إيجسثس وكلتيمنسترا. وتفتح الأبواب، وتظهر كلتيمنسترا والبلطة في يدها والدم يلوث جبهتها، وقد وقفت منتصرة فوق جثتي كسندرا والملك، وترتل الفرقة خاتمة المسرحية:

"ألا ليت الله يمن عليَّ بأن يعاجلني الموت فجاءة دون ألم أشد، ومن غير