للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية، ليلاقي الإسبارطيين بقيادة ليسندر في بحر مرمرة. ورأى ألقبيادس من مخبئه بين التلال أن السفن الأثينية قد اتخذت لها موضعاً شديد الخطورة عند إيجسبتماي Aegospotami قرب لمبسكس Lampascus، فما كان منه إلا أن خاطر بحياته ونزل إلى الشاطئ على ظهر جواده، ونصح أمراء البحر الأثينيين أن يبحثوا لهم عن موضع أقل تعرضاً للخطر من موضعهم؛ ولكنهم لم يثقوا بنصحه ولم يعملوا به، وذكروه بأنه لم يعد له شأن بالقيادة. وفي اليوم الثاني حدثت المعركة الفاصلة، وأغرقت فيها مائتان من سفن الأسطول الأثيني المائتين والثمان، أو استولى عليها العدو، وأمر ليسندر بقتل ثلاثة آلاف من الأسرى الأثينيين (٢٩). وترامى إلى ألقبياس أن ليسندر قد أمر بقتله، ففر إلى فريجيا مع القائد الفارسي فرنيزوس Pharnapazus الذي وهبه قصراً وحظية. ولكن ملك فارس أمر فرنيزوس بأن يقتل ضيفه عملاً بنصيحة ليسندر. وحاصر اثنان من القتلة ألقبيادس في قصره، وأشعلا النار فيه، فخرج منه عارياً يائساً، يريد أن يقاتل دفاعاً عن حياته، ولكن سهام مهاجميه وحربتيهما اخترقت جسمه قبل أن يمسهما سيفه فقضى نحبه في السادسة والأربعين من عمره؛ وكان أعظم العباقرة في تاريخ اليونان العسكري، كما كان إخفاقه أعظم الفواجع في هذا التاريخ.

وأصبح ليسندر بعدئذ صاحب السلطان المطلق في بحر إيجة، فأخذ يتنقل بأسطوله من مدينة إلى مدينة، يقضي على الديمقراطيات ويقيم مكانها حكومات ألجركية خاضعة لإسبارطة، ثم دخل ثغر بيرية من غير أن يلقى مقاومة، وضرب الحصار على أثينة، وقاومه الأثينيون ببسالتهم المعهودة، ولكن ما كان لديهم من الطعام لم يكفهم أكثر من ثلاثة أشهر، وامتلأت طرقات المدينة بالموتى أو المحتضرين. وعرض ليسندر على أثينة شروطاً للصلح مذلة ولكنها رحيمة. فقد قال إنه لا يريد أن يخرب مدينة أدت في الماضي خدمات مشرفة إلى بلاد اليونان، ولن يريد فوق ذلك أن يستعبد أهلها،