أثينة أن تفعلوا ما يأمركم به أنيتوس، برئوني أو لا تبرئوني، ولكن أياً كان ما تفعلونه بي، فلتعلموا أني لن أبدل طرائقي، ولو مت مرات كثيرة (٤٠).
ويبدو أن القضاة قد قاطعوه عند هذه النقطة، وأمروه ألا يسترسل فيما بدا لهم أنه وقاحة، ولكنه واصل دفاعه بكبرياء أشد من ذي قبل:
أحب أن تعرفوا أنكم إذا قتلتم رجلاً مثلي، أسأتم إلى أنفسكم أكثر مما تسيئون إليَّ … لأنكم إن قتلتموني لن يسهل عليكم أن تجدوا رجلاً آخر مثلي، فأنا، إذا سمح لي أن ألجأ إلى هذا التشبيه المضحك السخيف، كذبابة بعثها الله إلى الدولة، والدولة شبيهة بجواد عظيم كريم، بطيء الحركة لضخامة جسمه، في حاجة إلى ما يبث فيه الحياة … وإذ كنتم لن تجدوا غيري رجلاً مثلي، فإني أنصحكم أن تبقوا عليًّ (٤١).
وصدر الحكم بإدانته بأغلبية ضئيلة لا تزيد على ستين صوتاً، ولو أن دفاعه كان أقل حدة وأكثر استرضاء للقضاة لكان من الجائز أن يبرأ. وكان من حقه أن يقترح عقاباً آخر بدل الإعدام، ولكنه أبى في أول الأمر أن يطلب هذا الطلب؛ فلما ألح عليه أفلاطون وغيره من الأصدقاء، عرض أن يؤدي غرامة قدرها مائة مينا (٣٠٠٠ ريال أمريكي). وضمنه أفلاطون وهؤلاء الأصدقاء في تعهده. فلما أخذ الرأي للمرة الثانية زاد عدد أصوات الذين حكموا بإعدامه ثمانين صوتاً على عددهم في المرة الأولى (٤٢).
وقد كان في استطاعته بعدئذ أن يفر من السجن، وقد مهد له أقريطون وغيره من الأصدقاء (إذا جاز لنا أن نصدق أفلاطون) بالرشا سبيل الفرار (٤٥)، والرجح أن أنيتوس كان يأمل أن ينتهي الأمر على هذا النحو. ولكن سقراط بقى كما هو إلى آخر يوم في حياته. فقد كان يحس أنه لن تطول حياته أكثر من بضع سنين وأنه "لن يلقى عن كاهله إلا أبهظ جزء من الحياة؛ وهو الجزء الذي يشعر فيه الناس كلهم أن قواهم العقلية آخذة في النقصان"(٤٦).