أصحاب المصارف يصدرون خطابات الاعتماد، والأذون المالية، والتحاويل المصرفية بدل أن يقدموا النقود؛ وبهذه الطريق أصبحت الثروة تنتقل من عميل إلى عميل بتدوينها في سجلات المصارف لا غير (١٣). وكان رجال الأعمال أو أصحاب المصارف يصدرون السندات للحصول على القروض التجارية، حتى صارت هذه السندات جزءاً كبيراً من كل شركة. وكان لبعضهم - كالمعتوق باسيون مثلاً - صلات مالية متشعبة، واشتهروا بين الناس بأمانتهم ونزاهتهم فوثقوا بهم، وكانت سنداتهم موضع الثقة في جميع بلاد اليونان. وكان لمصرف باسيون Pasion أقسام متعددة يعمل فيها عدد كبير من الموظفين معظمهم من الأرقاء، ويحتفظ بطائفة كبيرة من السجلات المختلفة الأنواع تدون فيها كل عملية مالية بعناية فائقة جعلت في المحاكم أدلة لا يقبل الطعن فيها. ولم يكن إفلاس المصارف أمراً غير مألوف، ويحدثنا المؤرخون عما كان يحدث من "ذعر" مالي يغلق فيه مصرف بعد مصرف أبوابه (١٤). وكانت توجه أحياناً إلى المصارف، ومنها أعظمها نفوذاً، تهم خطيرة لسوء استعمال ما آل إليها من سلطان، وكان الناس ينظرون إلى رجال المصارف نظرة يجتمع فيها من الحسد والإعجاب، والكراهية مثل ما يجتمع في نظرة الفقراء إلى الأغنياء في جميع العصور (١٥).
وأنتج تبدل الثروة من عقارية إلى منقولة كفاحاً شديداً للحصول على المال، وكان لا بد للغة اليونانية من أن تخترع لفظاً تعبر به عن هذه الشهوة الجامحة للحصول على "أكثر فأكثر" من المال، فأطلقت عليه لفظ "بليونكسيا Pleonexia" ولفظاً آخراً يعبر عن الانهماك في طلب الثراء "كرماتستيكي Chrematistike". وأخذت السلع والخدمات من ذلك الوقت تقدر قيمتها بالمال، بل إن الناس أنفسهم أصبحوا يقدرون به وبما يمتلكون منه، وأصبحت الثروات تتكون ثم تزول بسرعة لا عهد للناس بها، وتنفق في مظاهر من البذخ لو شهدتها أثينة في عصر بركليز لارتاعت واهتزت منها مشاعرها. فأخذ "الأثرياء المحدثون" (وكان لهم