وكان في وسع كل من يلقى عليه عبء إحدى الخدمات العامة أن يستعين بالقانون لكي يرغم غيره على أدائها، إذا استطاع أن يثبت أن لهذا الممول الثاني أكثر منه ثروة، وأنه لم تفرض عليه خدمة ما في خلال سنتين. وعملوا على تسهيل جمع الإيرادات بتقسيم دافعي الضرائب إلى مائة جماعة من الشركاء. فكان يطلب إلى أغنى الأعضاء في كل جماعة أن يؤدوا في بداية كل سنة ضرائبية جميع الضريبة المفروضة على هذه الجماعة طوال السنة، ثم يترك لهم بعدئذ أن يجبوا في خلال السنة ما يخص غيرهم من الأعضاء بما يرونه من الوسائل.
وكانت نتيجة هذه الفروض أن أخذت هذه الجماعات والأفراد تخفي ثروتها وإيرادها إخفاءً تاماً، وانتشر التهرب من الضرائب بين الناس جميعاً، وتفننوا في أساليبه تفنن الدولة في فرضها وجبايتها. وفي عام ٣٥٥ عين أندروتيون Androtion على رأس فرقة من رجال الشرطة مهمتها البحث عن الإيرادات المخبوءة، وجباية الضرائب المتأخرة، وحبس الذين يفرون من الضرائب، فكانت تكبس البيوت وتصادر الأمتعة، ويلقى الرجال في السجن. ولكن الثروة مع ذلك ظلت تختفي أو تذوب. وقال إسقراط الشيخ الغني الغاضب في عام ٣٥٣ يشكو مما فرض عليه من خدمات:"لما كنت في صباي، كانت الثروة تعد من الأشياء المأمونة التي يعجب بها الناس، حتى كان الواحد منا يتظاهر بأن لديه أكثر مما يملك فعلاً … أما الآن فقد أصبح من واجب كل إنسان أن يدفع عن نفسه تهمة الغنى، كأن هذا أشنع الجرائم"(٢٥). ولم تكن الطريقة التي اتبعت في غير أثينة لمنع تركيز الثروة تستند إلى القانون كما كانت تستند إليه فيها. من ذلك أن المدنيين في متليني قتلوا دائنيهم جملة بحجة أنهم جياع، وأن الدمقراطيين في أرغوس (٣٧٠) انقضوا فجاءة على الأغنياء وقتلوا منهم ألفاً ومائتين، وصادروا أملاكهم، وعقدت الأسر الغنية في غير هذه من الدول التي كان العداء قائماً بينها لغير هذا السبب حلفاً سرياً تعهدت فيه أن يساعد بعضها بعضاً إذا قامت