نائماً في الشمس وقال له:"أنا الإسكندر الأكبر"، وأجابه الفيلسوف بقوله:"وأنا ديجين الكلب". وقال لهُ الملك:"اسألني أي شيء تريد"، فأجابه:"ابتعد حتى لا تحجب عني الشمس". وقال الجندي الشاب:"لو لم أكن أنا الإسكندر لتمنيت أن أكون ديجين"(٤٦)، ولسنا نعرف أن ديجين قد رد على هذه التحية. ويراد منا أن نعتقد أن الرجلين توفيا في يوم واحد من أيام عام ٣٢٣ الإسكندر في بابل وهو في سن الثالثة والثلاثين، وديجين في كورنثة بعد أن جاوز التسعين (٤٧). وقد وضع الكورنثيون فوق قبره كلباً من الرخام؛ وأقامت له سينوب التي نفته نصباً تذكارياً تخليداً لذكراه.
وليس ثمَ شيء أوضح من الفلسفة الكلبية؛ فهي لم تعمد إلى المنطق إلا ريثما تدحض نظرية المعرفة التي كان أفلاطون يحير بها عقول العلماء في أثينة. كذلك كانت الميتافيزيقا في نظر الكلبيين عبثاً عقيماً؛ وكانوا يقولون إن من واجبنا ألا ندرس الطبيعة لنفسر العالم بهذه الدراسة، وهو أمر مستحيل، بل لنعلم حكمة الطبيعة ونسترشد بها في الحياة، والفلسفة الوحيدة الحقة هي فلسفة الأخلاق، والغرض من الحياة هو السعادة، ولكن هذه السعادة لا تكون في طلب اللذة، بل في الحياة الفطرية البسيطة المستقلة قدر المستطاع عن المساعدات الخارجية؛ ذلك أن اللذة، وإن كانت عملاً مشروعاً إذا أتت نتيجة كدح الإنسان وجهوده الخاصة، ولم يعقبها شيء من الندم ووخز الضمير (٤٨)، كثيراً ما تفلت منا أثناء السعي إليها، أو تخيب رجاءنا فيها بعد أن ننالها؛ ومن أجل هذا فإن الأخلق بنا أن نعدها شراً لا خيراً. والسبيل الوحيد إلى السعادة الباقية هي أن يحيا الإنسان حياة معتدلة فاضلة. والثروة تفسد الطمأنينة والسلام، والشهوة الحاسدة تأكل النفس كما يأكل الصدأ الحديد، والاسترقاق عمل ظالم ولكنه ليس عملاً خطيراً؛ والرجل الحكيم يسهل عليه أن يجد السعادة في الرق كما يجدها في الحرية، لأن حرية النفس هي الحرية الحقة. ويقول ديجين إن الآلهة