للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعلل كلها ترتد آخر الأمر إلى العلة الأولى التي لا علة لها (١)، كما تُرد كل الحركات إلى المحرك الأول الذي لا محرك له؛ ولا بد لنا أن نفترض وجود أصل أو مبدأ لما في العالم من حركة أو قوة، وهذا الأصل هو الله. وكما أن الله هو جماع الحركة كلها ومصدرها، فهو كذلك جماع كل غايات الطبيعة وهدفها، فهو العلة الآخرة والأولى. وإنا لنرى الأشياء في كل مكان تتحرك نحو غايات معينة: فالأسنان الأمامية تنمو حادة لتقطع الطعام، والأضراس تنمو مستوية لتطحنه، والجفن يطرف ليقي العين، والحدقة تتسع في الظلام لتدخل قدراً كبيراً من الضوء، والشجرة تمد جذورها في الأرض، وغصونها نحو الشمس. وكما أن الشجرة تجذبها طبيعتها الفطرية وقوتها وأغراضها نحو الضوء، فكذلك العالم ينجذب بطبيعته الفطرية وقوته وأغراضه وهذه كلها هي الله. وليس الله هو خالق العالم المادي، ولكنه صورته المنشطة، وهو لا يحركه من خلفه ولكنه هو الموجه له من الداخل أو هدفه، يحركه كما يحرك الحب الحبيب، ويقول أرسطو أخيراً إن الله فكر خالص، وروح عاقل، يتبدى في الصور السرمدية التي تكون جوهر العالم والله في وقت واحد.

وغاية الفن، كفاية الميتافيزيقيا، هي القبض على الصورة الجوهرية للأشياء، وهو تقليد أو تمثيل للحياة، ولكنه ليس نسخة آلية لها؛ والذي تقلده هو روح المادة لا جسم المادة ولا المادة نفسها؛ وعن طريق هذه البصيرة أو عكس هذا الجوهر كما تعكس المرآة الجسم قد يبدو الشيء القبيح جميلا. والجمال


(١) يقول أرسطو: إن كل معلول يخرج من أربعة علل: المادية (التي يتكون منها)، والفعالة (العامل فيها أو فعله)، والشكلية (طبيعة الشيء)، والغائية (الهدف). وهو يضرب لذلك مثلاً عجيباً فيقول: "ما هي العلة المادية للإنسان؟ هي الطمث (أي وجود البيضة). وما هي العلة الفعالة؟ هي البذرة والنطفة (أي عملية التلقيح). وما هي الشكلية؟ هي الطبيعة (أي طبيعة العوامل ذات الشأن). وما هي العلة الغائية؟ هي الغاية التي يهدف إليها"