سخّر ملوك برجموم، وسلوقيا، ومقدونية هم وقوادها مواردهم وقواهم في القرن الثالث قبل الميلاد لصد موجات الكلت الغزاة المتكررة على البلاد اليونانية. ذلك أن الحضارة القديمة كانت طوال تاريخها تعيش على شاطئ بحر من الهمجية طالما هددها بإغراقها واجتياحها؛ وقد استطاعت بسالة المواطنين أن تصد أمواج هذا البحر الطامي في يوم من الأيام بعد أن أعدت لهذا الغرض إعداداً دائماً طويل الأمد؛ ولكن البسالة كانت تحتضر في بلاد اليونان في وقت أن كان الدهر يضفي عليها صبغتها القديمة ويخلع عليها اسمها اللذين عرفت بهما في مستقبل أيامها.
وطرد أنتجونس الثاني ابن دمتريوس بوليكراتيس والمعروف باسم "جوناتاس" لأسباب لا نعرفها الآن، طرد الغاليين من مقدونية، وقلّم أظفار فتنة أبلودوروس، وحكم مقدونية حكماً حازماً معتدلاً دام ثمانية وثلاثين عاماً (٢٧٧ - ٢٣٩). وكان سمحاً جوّاداً يناصر الآداب والعلوم والفلسفة، واستدعى شعراء مثل أراطوس السليائي إلى بلاطه، ووثق مع زينون الرواقي الصداقة التي دامت طوال حياته، وكان أول تلك السلسلة غير المتصلة الحلقات من الفلاسفة الملوك التي انتهت بماركس أورليوس. ومع هذا ففي أثناء حكمه بذلت أثينة آخر جهودها لاستعادة حريتها. وذلك أن الحزب الوطني الأثيني الذي كان يتزعمه في ذلك الوقت أقرمنيدس Chremonides أحد تلاميذ زينون الشبان استولى على أزمة الحكم في عام ٢٦٧. واستطاع بمعونة مصر أن يطرد الجنود المقدونيين من المدينة، ويعلن استقلال أثينة وحريتها. وجاءه أنتجونس على مهل، واسترد المدينة (٢٦٢)، ولكنه عامله معاملة من يحترم الفلسفة والشيخوخة؛ فوضع حاميات في بيرية وسلاميس وعند سنيوم، وحذر أثينة من الاشتراك في أحلاف والاشتباك في حروب، وفيما عدا هذا ترك للمدينة حريتها كاملة.
وكانت المدن اليونانية الأخرى وقتئذ تحل بأساليب أخرى مشكلة التوفيق بين الحرية والنظام، فشرعت إيتوليا الصغيرة حوالي عام ٢٧٩، وكان يسكنها