أكبر، وتجاهل في هذا التعيين ما جرت به العادة من توارث هذا المنصب الديني. وكان جيسن هذا يمثل الحزب القائم في أورشليم والذي ينادي بفرض الثقافة الهلنية على بلاد اليهود، ويطلب الإذن بإقامة النظم اليونانية في تلك البلاد. وأصغى أنتيوخوس إلى مطالبه وهو فرح مستبشر لأن اختلاف الطقوس الدينية الشرقية في بلاد آسية اليونانية وقوة هذه الطقوس كانا يقلقان باله إذ كان يحلم بتوحيد إمبراطوريته المتعددة اللغات والأجناس بإخضاعها كلها لشريعة واحدة وعقيدة واحدة. ولما أن أبطأ جيسن في العمل للوصول إلى هذه الغاية عين أنتيوخوس بدلاً منه منلوس، بعد أن وعده بأكثر مما وعده بهِ سلفه ونفحه برشوة أكبر (١٥). وتوحد يهوة وزيوس على يدي منلوس، وبيعت آنية المعابد للحصول على المال، وقربت بعض الجماعات اليهودية القرابين إلى الآلهة الهلنية. واُفتتحت في أورشليم مدرسة للرياضة البدنية، واشترك شباب اليهود والكهنة أنفسهم وهم عراة في الألعاب الرياضية. وبلغ من تحمس بعض الشبان اليهود للهلنية أن تحملوا جراحات في أجسامهم ليعالجوا بها بعض العيوب التي قد تكشف عن أصلهم (١٦).
وارتاعت كثرة الشعب اليهودي من هذه التطورات وأحست أن دينها يكاد ينهار من أساسه، فانحازت إلى آراء المتقين؛ ولما أن طرد بوبليوس (١٦٥) أنتيوخوس الرابع من مصر، شاع في أورشليم أنه قُتل، فاغتبط اليهود بالنبأ، وخلعوا الموظفين المعينين عليهم من قبله، وقتلوا زعماء الحزب الذي كان يدعوا إلى الثقافة الهلينية، وطهروا الهياكل مما كانوا يرونه منكراً أو كفراً. لكن أنتيوخوس لم يكن قد مات، بل هُزم وذُلَ وأصبح فقيراً معدماً؛ وقد أيقن أن اليهود كانوا سبباً في هزيمته في مصر وأنهم كانوا يأتمرون ليعيدوا بلادهم إلى البطالمة (١٧)، فعاد إلى أورشليم وذبح آلافاً من اليهود رجالهم ونسائهم، ودنس الهيكل ونهبه، وصادر مذبحه الذهبي وآنيته وكنوزه وضمها إلى الخزائن الملكية، وأعاد إلى منلوس سلطته العليا، وأمر أن يثقف اليهود كلهم