وشق قنوات الري، وتشييد المباني، وتمهيد السبيل للأعمال الهندسية الكبرى التي تمت في أيام الحكم الروماني. وقد جفف بطليموس الثاني بحيرة موريس وحول قاعها إلى مساحة واسعة من الأرض الخصبة وزعها على جنوده، وشرع في عام ٢٥٨ يعيد فتح القناة التي تصل النيل بالقرب من عين شمس بالبحر الأحمر قرب السويس (١١). وكان نخاو ودارا قد حفرا هذه القناة من قبل، ولكن الرمال في كلتا الحالتين طمرها، كما طمرت قناة بطليموس بعد مائة عام من شقها.
وسارت الصناعة وسط ظروف مماثلة لهذه الظروف، فلم تكن الحكومة تمتلك المناجم فحسب، بل كانت تديرها بنفسها أو تستولي على ما يخرج من المعادن (١٢). واستغل البطالمة رواسب الذهب الغنية في بلاد النوبة، وكانت لهم عملة ذهبية مستقرة؛ وكانوا يسيطرون على مناجم النحاس في قبرص وطورسيناء، ويحتكرون صناعة الزيت-ولم يكونوا يستخرجونه من الأرض، بل كانوا يعصرونه من النبات كبذور الكتان وحب الملوك (الكروتن)، والسمسم؛ وكانت الحكومة تحدد في كل عام مقدار ما يُزرع من الأرض بهذه النباتات، وتستولي على المحصول بالثمن الذي تحدده له؛ وتصر الزيت في مصانع تمتلكها الدولة بعصَّارات من كتل الخشب الضخمة يحركها أقنان الأرض، ثم تبيع الزيت إلى تجار التجزئة بالثمن الذي تريده هي، وتمنع المنافسة الأجنبية بالضرائب الجمركية العالية؛ وكانت أرباحها من هذه العملية تتراوح بين سبعين وثلاثمائة في المائة (١٣). ويلوح أن الحكومة كانت تجني أرباحاً مماثلة لهذا الربح من الملح، والنطرون (كربونات الصودا المستخدمة في صنع الصابون)، والبخور، والبردي، والمنسوجات. وكانت في البلاد مصانع للنسيج يمتلكها الأفراد، ولكنها كانت تضطر إلى بيع كل ما تنتجه إلى الحكومة (١٤). أما الصناعات الصغرى فقد تُركت للأفراد، وكانت الدولة تكتفي بالتصريح بها