كتاب قصة الحضارة

ذروة مجد العلم اليوناني - أرستاخوس، وهبارخوس، وإرتسثنيز - ج: 8 - ص: 152

اليوناني، حتى ليبدو أن أرستارخوس نفسه لم يعنَ ببحثهِ. وأوشك هبارخوس أن يمسه في نظريته عن "الانحرافات" التي فسر بها ما يبدو من شذوذ في سرعة مسير الشمس والقمر في فلكيهما حين قال إن مركزي فلكي الشمس والقمر مائلان قليلاً على أحد جانبي الأرض. وأوشك هبارخوس أن يكون أعظم أصحاب النظريات الفلكية وأعظم الراصدين بين علماء الفلك الأقدمين على بكرة أبيهم.

وبينما كان هبارخوس يرقب السماء ليلة بعد ليلة إذ دهش ذات مساء لظهور نجم في مكان لا ريب عنده في أنه لم يرقب فيه نجماً من قبل. ولكي يثبت ما سوف يحدث من اختلاف في مواضع النجوم في مستقبل الأيام صنع حوالي عام ١٢٩ ق. م. فهرساً، وخريطة، وكرة حدد فيها مواضع ١٠٨٠ من النجوم الثوابت بالنسبة لخطوط الطول والعرض السماوية. وقد أفاد دارسو السماء من عملهِ ذها أعظم فائدة. ووازن هبارخوس خريطته بخريطة تموكارس التي صنعها قبل خريطته بمائة وست وستين سنة فتبين أن النجوم قد غيرت مكانها الظاهري نحو درجتين في هذه الفترة الزمنية. وعلى هذا الأساس كشف هبارخوس أدق كشوفه كلها (١). وهو تقدم الاعتدالين- ويعني به تقدم اللحظة التي تقع فيها نقطتا الاعتدالين على خط الزوال (٢). وقدر هذا التقدم بست وثلاثين ثانية كل سنة؛ والتقدير المأخوذ به الآن خمسون ثانية.

ولقد كان بين أرستارخوس وهبارخوس في الترتيب الزمني عالم آخر واسع

---

(١) هذا إذا لم يكن قد أخذه عن كدنو Kidinnu البابلي الذي عاش قبله.
(٢) الاعتدالان، ومعنى اللفظ الإنجليزي (الليلتان المتساويتان Equinoxes) هما اليومان اللذان تعبر فيهما الشمس في حركتها الظاهرية أثناء السنة خط الاستواء شمالاً (وهو الاعتدال الربيعي عندنا، والاعتدال الخريفي في نصف الكرة الجنوبي) أو جنوباً (وهو الاعتدال الخريفي عندنا والربيعي في نصف الكرة الجنوبي) وفي كل منهما الليل والنهار يوماً واحدً. ونقطتا الاعتدالين هما النقطتان السماويتان اللتان يتقاطع فيهما خط الاستواء السماوي بفلك الأرض.