كان إخراج هذا العدد الكبير من الأشراف سبباً في إخلاء الميدان للزعامة المتطرفة في مدن العصبة الآخية، وتجددت الفتن والحروب الأهلية وبلغت فيها أوجها. واستمسك الأغنياء في هذه الحروب بحماية رومة، وطالب الفقراء بإخراج الأغنياء والقوات الرومانية من البلاد. وفي عام ١٥٠ عاد من إيطاليا من كان باقياً فيها على قيد الحياة من الآخيين المنفيين، وكان عددهم لا يتجاوز المائة والخمسين، وانضموا إلى المطالبين بالقضاء على سلطان الرومان في بلاد اليونان. وأرادت رومة أن تضعف قوة الآخيين فأرسلت إلى بلاد اليونان بعثة سياسية أمرت كورنثة، وأركنوس، وأرجوس بأن تخرج من الحلف. وردت سيدات كورنثة على هذا الأمر بأن أفرغت دلاء من الأقذار على رؤوس المبعوثين (١٥)؛ وفي عام ١٤٦ أعلنت العصبة حرب التحرير، وكانت ترجو أن اشتباك رومة في الحرب في أسبانيا وإفريقية سيشغل جيوشها فيحملها على أن تعقد معها صلحاً ترتضيه، وطغت على مدائن العصبة موجة من الحماسة الوطنية فحرر العبيد وسلحوا، وأعلن إيقاف أداء الديون، ووعد الفقراء بقسط من الأرض الزراعية، وألفى الأغنياء التعساء أنفسهم بين الاشتراكية ورومة، فقدموا كارهين جواهرهم وأموالهم لقضية الحرية، ونفضت أثينة وإسبارطة أيديهما من النزاع كله وبقيتا بمعزل عنه، أما بؤوتية، ولكريا، وعوبية، فقد انضمتا بشجاعة إلى حرب التحرير. وثارت جمهوريات مقدونية الأربع علناً على رومة.
واستشاط مجلس الشيوخ الروماني غضباً فسير إلى بلاد اليونان جيشاً بقيادة مميوس وأسطولاً بقيادة متلوس Metillus. وقضت قوة الجيش والأسطول مجتمعين على كل مقاومة، واستولى مميوس Mummius في عام ١٤٦ على كورنثة حصن العصبة الحصين. وأشعل الفاتحون النار في المدينة الغنية مدينة التجار والعاهرات، وذبحوا جميع رجالها وباعوا جميع نسائها وأطفالها في أسواق الرقيق. ولعلهم أرادوا بعملهم هذا أن يقضوا على منافس تجاري لرومة في شرق البحر الأبيض المتوسط كما كان سبيو وقتئذ يقضي بتدمير قرطاجة على