البحر الترهيني (أو البحر الإتروري أي التسكاني (١)).
وبدأ الحكم في المدن التسكانية كما بدأ في روما بالنظام الملكي، ثم صار حكماً ألجركياً تقوم به "الأسر الأولى"، ثم تخلى هذا الحكم تدريجاً للأسر ذات الأملاك عن حق اختيار الحكام الذين كانوا يبدلون في كل عام. وفي وسعنا أن نستدل مما على قبور الأهلين من رسوم ملونة ونقوش محفورة على أن هذا النظام كان نظامًا إقطاعيًا خالصًا يمتلك فيه الأعيان الأرض ويستمتعون بما يخرجه الأقنان والأرقاء الفلانوفيون بكدحهم من خيرات، بعد أن يتركوا لهم حاجتهم منها. وقد أصلحت أرض تسكانيا في عهد هذا النظام، فجففت مستنقعاتها وقطعت غاباتها، وأنشئ في قراها نظام للري، وفي مدنها نظام للمجاري لم يكشف حتى الآن عما يماثله في بلاد اليونان في ذلك العهد نفسه. وقد أنشأ المهندسون التسكانيون مجاري تحت الأرض يسير فيها ما زاد من مياه البحيرات، وطرقًا في الصخور والتلال (١٢). ونرى العمال التسكانيين في ذلك العهد البعيد وهو عام ٧٠٠ ق. م يستخرجون النحاس من شاطئ إيطاليا الغربي، والحديد من جزيرة إلبا Elba، وترى الحديد الغفل يصهر في ببيولونيا Populonia، والحديد المطاوع يباع في جميع أنحاء إيطاليا (١٣). وكان التجار التسكانيون يتجرون مع جميع البلاد الواقعة على شاطئ البحر الترهاني ويأتون بالكهرمان والقصدير والرصاص والحديد من بلاد أوربا الشمالية، وينقلونها في نهري الرين والرون وفوق جبال الألب، ويبيعون المنتجات التسكانية في جميع ثغور البحر الأبيض المتوسط الكبرى. وما وافى عام ٥٠٠ ق. م أو نحوه حتى أصدرت المدن التسكانية الكبرى عملة خاصة بها.
(١) كان اليونان يسمون الإترسكيين Etruscans التوهيني Tyrrkeni والترسيني Tyrseni. أما الرومان فكانوا يسمونهم الإترسكي Etrusci أو التسكي Tusci. ولعل الاسم اليوناني مأخوذ كما أخذ لفظ Tyrant من كلمة ترها Tyrrha وهي اسم غابة في ليديا. والراجح أن كلمة Tower (البرج) مشتقة هي الأخرى من هذا الأصل.