وتمثل الرسوم التي نراها على القبور هؤلاء الأقوام في صورة خلائق قصار القامات، ممتلئ الأجسام، كبار الرؤوس، لا يكاد يوجد فرق بيم ملامحهم وملامح أهل الأناضول، موردي البشرة وخاصة نساءهم؛ وإن تكن الأصباغ الحمراء قديمة قدم الحضارة ذاتها (١٤). واشتهرت نساؤهم بجمالهن (١٥)، وتلمح في وجوه بعض الرجال الرقة والنبل. وكانت الحضارة في ذلك العهد قد بلغت من الرقي مرحلة الخطر كما نستدل مما عثر عليه في قبورهم من قناطر للأسنان الصناعية (١٦). وقد انتقل إليهم طب الأسنان، كما انتقل الطب والجراحة، من بلاد مصر واليونان (١٧). وكانوا جميعًا رجالاً ونساء يطيلون شعر الرأس، وكان رجالهم يرسلون لحاهم. أما ثيابهم فكانت على الطراز الأيوني Ionian. تتكون من قميص داخلي ومئزر خارجي هو الذي تطور حتى أصبح الكساء الروماني المعروف باسم التوجا Toga. وكان الرجال والنساء على السواء مولعين بالتزين، وقد عثر المنقبون في قبورهم على كثير من الحلي.
وإذا كان لنا أن نحكم على التسكانيين من الصور المرحة التي نراها على قبورهم، قلنا إن حياة هؤلاء الأقوام كان فيها مشاق الحرب، ونعيم الترف، وبهجة الأعياد والألعاب. فكان الرجال يشنون الحرب العوان، ويمارسون ضروباً من ألعاب الرجولة، ويصيدون الحيوان، ويصارعون الثيران في المتجلد، ويسوقون بأنفسهم عرباتهم في الطرق الخطرة، وكانت تجرها في بعض الأحيان أربعة جياد تسير في صف. وكانوا يتبارون في رمي القرص والحربة، والقفز من فوق الأعمدة، والسباق والمصارعة والملاكمة والمجالدة. وكانت هذه الألعاب تمتاز بقسوتها، لأن التسكان كالرومان كانوا يرون أن من الخطر أن يتركوا الحضارة تبتعد كثيراً عن الوحشية. وكان قليلو الشجاعة منهم يتبارون في رفع الأثقال، ولعب النرد، والنفخ في الناي،