ولم يكشف علم الآثار شيئاً يؤيد هذه القصص التي تروى عن نشأة روما وعهدها الأول؛ ولعل في هذه القصص شيء من الحقيقة، فليس ببعيد أن يكون اللاتين قد أرسلوا نفراً منهم ليشيدوا مدينة روما لكي يتخذوها حصناً يقيهم شر التسكان الذين كانوا يوسعون رقعة بلادهم في ذلك الاتجاه. وكان موقع المدينة على بعد عشرين ميلاً من شاطئ البحر، ولم يكن موقعاً ملائماً للتجارة البحرية، ولكنه كان من المستحب في تلك الأيام أيام القرصان المغيرين النهّابين أن تكون مواقع المدن بعيدة عن شاطئ البحر قليلاً. أما من حيث التجارة الداخلية فقد كانت روما عند ملتقى طريقي التجارة، طريق النهر والطريق البري الممتد من الشمال إلى الجنوب. ولم يكن موقعها بالموقع الصحي، فقد كانت الأمطار وفيضانات الأنهار، ومياه العيون، تملأ المناقع الكثيرة في السهل المحيط بالمدينة، ومن ثم كانت شهرة التلال السبعة وتقول الرواية أن أول ما استوطنه المهاجرون من هذه التلال هو تل بلاتين Palatine، ولعل سبب هذا أن جزيرة قرب سفح هذا التل قد يسرت للمستعمرين عبور نهر التيبر وإقامة جسر عليه. ثم استوطنوا بعدئذٍ سفوح التلال المجاورة واحداً في أثر واحد، وما لبثوا أن عبروا النهر وشدوا الفاتيكان Vatican والجانكيولوم Janiculum (١) . ثم تحالفت القبائل الثلاث -اللاتين والسبنيون والتسكان- التي استوطنت التلال وأنشأت منها اتحاداً يسمى السبتيمنيوم هو الذي نشأت فيه على مهل مدينة روما.
وتقول القصة القديمة بعدئذٍ أن رميولوس أراد أن يأتي بأزواج لرجاله، فأعد ألعاباً عامة دعا إليها السبنيين وغيرهم من رجال القبائل الأخرى، وبينما كان السباق جارياً في مجراه إذ انقض الرومان على نساء السبنيين فاستولوا
(١) لقد كان في روما أكثر من هذه التلال السبعة المتواضعة، ولم تكن هذه "السبعة" هي بعينها في جميع الأوقات. غير أنها في أيام شيشرون كانت هي Palatine، Capitoline، Caelian، Esquiline، Aventine، Viminal، Quirinal.