وهم عراة الأجسام إلا من تمائم وسلاسل ذهبية (٢٩). ولما أن ذاق الكلت سكان بلاد غالة الجنوبية طعم النبيذ الإيطالي سرهم مذاقه كل السرور فاعتزموا أن يزوروا الأرض التي تخرج تلك الفاكهة اللذيذة. ولعل أصدق من هذا أنهم أقبلوا على تلك البلاد طلباً للمرعى وللأرض الجديدة، فلما دخلوها أقاموا فيها وقتًا ما مسالمين على غير عادتهم المألوفة، يحرثون الأرض ويرعون الماشية، ويتثقفون بما كان في المدن من ثقافة تسكانية. ثم غزوا إتروريا في عام ٤٠٠ ق. م ونهبوها، وقاومهم التسكان مقاومة ضعيفة، لأنهم كانوا قد أرسلوا جنودهم إلى فياي ليصدوا عنها الرومان. وفي عام ٣٩١ وصل ثلاثون ألفًا من الغاليين إلى كلوزيوم Clusium؛ وبعد عام واحد التقوا بالرومان على نهر أليا Allia وهزموهم هزيمة منكرة بددت شملهم، ودخلوا رومه فاتحين دون أن يلقوا في ذلك مقاومة، ونهبوا المدينة وحرقوا كثيرًا من أحيائها، وظلوا سبعة أشهر يحاصرون فلول الجيش الروماني المعسكر على الكبتول Capitol- وهوقلة تل الكبتولين Capitoline- حتى استسلم لهم الرومان آخر الأمر، وأدوا للغالبين ألف رطل من الذهب نظير انسحابهم (١). وغادر الغاليون رومه ولكنهم عادوا إليها في أعوام ٣٦٧، ٣٥٨، ٣٥٠. وصدهم الرومان في كل مرة فقنعوا أخيرًا بشمال إيطاليا الذي أصبح من ذلك الوقت يعرف بغالة الألبية الجنوبية.
وألفى من بقي من الرومان مدينتهم مخربة تخريبًا حمل الكثيرين منهم على أن يتمنوا لو استطاعوا أن يغادروها ويتخذوا فياي عاصمة لهم. ولكن كمليوس أثناهم عن عزمهم، وقدمت لهم الحكومة ما يحتاجونه من المعونة المالية لبناء بيوتهم من جديد. وكانت السرعة التي تم بها هذا البناء، وهم يواجهون الأعداء
(١) والمؤرخون الآن مجمعون على رفض القصة التي يرويها ليفي (٣٠)، والتي تقول إن كمليوس رفض في اللحظة الأخيرة أن يعطى الغالبين الذهب، وإنه طردهم من رومه قوة واقتدرًا. ويرون أن هذه القصة قد اخترعت اختراعًا إجابة لنعرة الرومان الوطنية وكبريائهم القومي. وما من أمة من الأمم تهزم في كتب تاريخها.