للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حولهم، سببًا من الأسباب التي جعلت رومه مدينة قائمة على غير نظام مرسوم ذات شوارع ضيقة ملتوية. وكانت الشعوب الخاضعة لسلطانها، إذا رأتها موشكة على الدمار والخراب، ثارت عليها ثورة في إثر ثورة واستلزم إخضاع هذه الشعوب وشفاؤها من نزعة الحرية خمسين عامًا من الحروب المتقطعة. ولقد هاجمها اللاتين، والإكوريون، والهرنيشيون، والفلشيون مجتمعين أو متفرقين. ولو انتصر الفلشيون لفصلوا عن جنوب إيطاليا وعن البحر، ولربما استطاعوا بذلك أن يقضوا على تاريخها؛ ولكن رومه انتصرت عليهم وانتصرت على مدن الحلف اللاتيني في عام ٣٤٠، وبعد عامين من انتصارها عليها حلت الحلف وضمت مدن لاتيوم جميعها إلا القليل منها إليها (١).

وفي هذه الأثناء كان ما نالته رومه من النصر على الفلشيين سببًا في وقوفها وجهًا لوجه أمام القبائل السمينة القوية. وكانت هذه القبائل تمتلك قطاعًا مستعرضًا في إيطاليا يمتد من بابلي حتى البحر الأدرياوي، ويشمل مدنًا غنية مثل نولا Nola وبنفنتم Beneventum، وكومية Cumae، وكبوا Capua. وكانت قد استولت على معظم المستعمرات التسكانية واليونانية الممتدة على الساحل الغربي، وكان لها من الحضارة الهلينية ما يكفي لخلق فن كمباني Campanian، متميز عن غيره من الفنون، ولعلها كانت أكثر حضارة من الرومان أنفسهم. واشتبكت رومه مع هذه القبائل في ثلاث حروب طويلة طاحنة رغبة منها في الانفراد بالسيادة على إيطاليا. ومني الرومان في مشاغب كودين Coudine Forks (٣٢١) بهزيمة من أكبر هزائمهم، ومر جيشهم المنهزم "تحت النير"- أي تحت قوس من حراب الأعداء- رمزًا لخضوعهم. ووقع القنصلان في ميدان القتال شروطاً


(١) ومن الحوادث التي تروي عن هذه الحرب حادثان أكبر الظن أنهما من نسج الخيال أولهما أن قنصلاً يدعى ديسيوس Pnblius Deeius لقي حتفه بعد أن انطلق على جواده بين صفوف الأعداء مضحيًا بنفسه ليظفر بمعونة الآلهة لرومه. أما القنصل الثاني تيتس مانليوس تراكواتس Titus Manlius Torquatus فقد قطع رأس ولده لأنه انتصر في واقعة، وكان سبب انتصاره أن خالف الأوامر الصادرة إليه.