بفصاحة حملت الشبان على أن يجتمعوا حوله في كل يوم ليستمعوا له (٢٥). وكان الرجل شكاكاً إلى أقصى حد، فكان يشك في وجود الآلهة، ويقول إن في الإمكان تبرير الظلم بأسباب لا تقلّ في وجاهتها عن الأسباب التي يبرر بها العدل. وفي هذا تسليم من جانب الفلسفة الأفلاطونية بآراء ترازيماكس Thrasymachus.
ولما سمع كاتو- وكان وقتئذ شيخاً طاعناً في السن- بهذا القول طلب إلى مجلس الشيوخ أن يأمر بإعادة السفراء الثلاثة إلى بلادهم، فعادوا ولكن بعد أن ذاق الجيل الجديد لذة الفلسفة؛ ومن ذلك الحين أخذ الأثرياء من شباب رومه يذهبون إلى أثينا ورودس ليستبدلوا فيهما بإيمانهم القديم أحدث ما فيهما من تشكك.
وكان الذين فتحوا بلاد اليونان هم أنفسهم الذين نشروا الثقافة اليونانية والفلسفة اليونانية في رومه، وكان فلامينوس Flamininus يحب الآداب اليونانية قبل أن يغزو مقدونية ويحرر اليونان، فلما أن غزاها تأثر كثيراً بما رأى في بلاد اليونان من فنون ومن مسرحيات. وخليق بنا أن نذكر لرومه أن بعض قوادها العسكريين كانوا يستطيعون فهم بوليكليتس Polycleitus وفيدياس Pheidias وإن كانوا قد تغالوا في تقدير هذين الفنانين إلى حد السرقة. ولما أن انتصر إيمليوس بولس على برسيوس لم يستبق من كل ما جاء به من الغنائم إلا مكتبة الملك ليرثها أبناؤه من بعده، وقد حرص على أن يتعلم هؤلاء الأبناء الآداب والفلسفة اليونانية حرصه على أن يتعلموا فنون الصيد والحرب الرومانية، وكان يشترك معهم في هذه الدراسات بالقدر الذي تسمح له به واجباته الرسمية.
ولما مات بولس تبنَّى أصغر أبنائه صديقه ب. كرنليوس سبيو ابن الإفريقي واتخذ الابن المتبني اسم الرجل الذي تبناه جرياً على عادة الرومان وقتئذ، وأضاف إليه اسم عشيرة أبيه فأصبح اسمه بعدئذ، كرنليوس