سبيو إيمليانوس وهو الذي سنطلق عليه اسم سبيو في صحائف هذا الكتاب. وكان شاباً وسيم الطليعة قوي البنية، بسيطاً في عاداته، متزناً في حديثه، رقيق القلب، كريماً، شريفاً طاهر اليد، لم يترك وراءه عند وفاته إلا ثلاثة وثلاثين رطلاً من الفضة ورطلين من الذهب، وإن كانت جميع غنائم قرطاجنة قد مرت بين يديه، وإن كان قد عاش عيشة العالم المتقشف لا عيشة الرجل الثري. وقد التقى في شبابه بيولبيوس اليوناني الذي نفي من بلاده وأسداه بولبيوس النصح والكتب القيمة، وكانت هذه يد حفظها له الشاب طول حياته. وذاعت شهرته وهو لا يزال شاباً يحارب تحت إمرة أبيه في بدنا Pydna، ولما استخف به عدوه في أسبانيا وطلب إليه أن يبارزه قبل هذا التحدي وانتصر في المبارزة (٢٧).
وقد جمع حوله في حياته الخاصة طائفة من الرومان الممتازين الذين شغفوا بالأفكار اليونانية. ومن أعظم هؤلاء شهرة جاريوس ليليوس Gaius Laelius وهو رجل حكيم في رأيه، وفّي في صداقته، عادل في أحكامه، نقي السيرة، طاهر السريرة، لا يفوقه في فصاحة اللسان وجمال الأسلوب إلاّ إيمليلنوس نفسه. وقد أحب شيشرون ليليوس وأعجب به بعد مائة عام من وفاته، وسمي باسمه مقاله عن الصداقة، وكان يتمنى أن لم يعش في عصره المضطرب بل في تلك الدائرة الرفيعة التي كانت تضم شباب رومه المفكر.
وكان لهذه الدائرة أبلغ الأثر في الأدب الروماني، ولقد كسب ترنس Terence بفضل اشتراكه فيها ما امتازت به لغته من دقة في التعبير وجمال في الأسلوب، ولعل جايوس لوسليوس (١٨٠ - ١٠٣) قد أفاد منها قدرته على أن يجعل لهجائه اللاذع الذي كان يسلطه على رذائل عصره وترفه هدفاً اجتماعياً.
وكان اللذان يشرفان على هذه الفئة من اليونان رجلين هما بولبيوس Polybius وبانيتيوس Panaetius. وقد عاش أولهما سنين كثيرة في بيت سبيو. وكان رجلاً واقعياً عقلياً، قليل الاغترار بالناس وبالدول. أما بانيتيوس فقد جاء من