والفقر .. وماذا بقي لنا في الحياة إلا الأنفاس التي تتردد في صدورنا؟ … أليس خيراً لنا أن نموت شجعاناً من أن نفقد حياتنا اليائسة الذليلة بعد أن تصير لعبة في أيدي السفهاء" (٤١).
وكانت الخطة التي يريد أن يضعها لضم عناصر الثورة المتعارضة خطة سهلة بسيطة تتلخص في كلمتين هما "سجلات جديدة"، ويقصد بهما إلغاء الديون كلها إلغاء تاماً بلا قيد ولا شرط. وأخذ يعمل لهذه الغاية بهمة لا تعادلها إلا همة قيصر؛ والحق أنه نال إلى حين عطف قيصر إذا لم يكن قد نال في السر معونته. وقد قال شيشرون: "لم يكن ثمة شيء لا يستطيع فعله، ولم تكن ثمة آلام لا يقاسيها في سبيل تعاون عناصر الثورة ويقظتها وكدحها. وكان في وسعه أن يتحمل البرد والجوع والعطش" (٤٢). ويقول لنا أعداؤه إنه نظم فرقة قوامها أربعمائة رجل عهد إليها قتل القنصلين والاستيلاء على أزمة الحكم في أول يوم من عام ٦٥ ق. م فلما حل ذلك اليوم لم يحدث شيء غير هادي، وفي عام ٦٤ ق. م رشح كاتلين نفسه للقنصلية ضد شيشرون وشن عليه حملة انتخابية شديدة (١)، روعت أصحاب رؤوس الأموال، وبدأت أموالهم تتسرب من إيطاليا. واتخذت الطبقات العليا لتأييد شيشرون وتحقق بذلك ما كان ينادي به من "تعاون الطبقات"، ودام هذا التعاون عاماً كاملاً، وكان هو ممثل هذا التعاون وصوته الناطق.
ولما وجد كاتلين أبواب السياسة موصدة أمامه ولى وجهه شطر الحرب، فجهز أتباعه سراً جيشاً في أتروريا من عشرين ألف مقاتل، وجمعوا في رومه عصبة من المتآمرين كان فيها ممثلون لجميع الطبقات من الشيوخ إلى الرقيق. وكان فيها
(١) وفي هذه الحملة الانتخابية وضع كونتس شقيق شيشرون له دستوراً يسير عليه في حملته فقال: "عليك بالإسراف في الوعد، لأن الوعد الكاذب أحب إلى الناس من الرفض الصريح .. واخترع فضيحة جديدة تذيعها عن منافسيك جريمة كانت أو رشوة أو فضيحة خلقية".