للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلبة، مرنة، عديمة الصوت والرائحة والذوق واللون، وأنها لا حدود لها، يتدخل بعضها في بعض ليتكوّن منها مُركبات وصفات لا حصر لها، وتتحرك حركة لا انقطاع لها، في سكون الأشياء العديمة الحركة البادي للأنظار:

"فكثيراً من نرى على سفوح الجبال .. الأغنام ذات الأصواف تزحف حيث يغريها بالزحف الكلأ الذي تتلألأ عليه قطرات الندى، وترى الحملان التي شبعت ورويت تلعب وتتناطح في لعبها برؤوسها. ولكن هذه كلها تنطمس للبعيد عنها حتى لا تستطيع العين أن تميزها، وتبدو لطخة بيضاء على تل أخضر. وتنتشر الجيوش الجرارة في بعض الأحيان في ميادين واسعة؛ وتتحرك حركات تمثل بها الحروب، تسطع دروعهم البرنزية فتضيء ما حولها، وتنعكس على قبة السماء، وتزلزل الأرض وتجلجل تحت أقدام الجند وسنابك الخيل، وتصطدم هذه الأصوات بالجبال فتدفع بها مرة أخرى إلى نجوم السماء. ومع هذا فإن في تلل الجبال مكاناً تبدو منه هذه الجيوش كأنها ساكنة لا تتحرك؛ ولا تعدو أن تكون بقعة صغيرة بيضاء مستقرة فوق السهل" (١٣).

وتحتوي الذرات (١) على المنيمات minima أو "أصغر الأشياء"، وكل منيمة minimum جسم نهائي صلب، لا يقبل الانقسام، ولعل اختلاف ترتيب هذه الأجزاء هو السبب في اختلاف أحجام الذرات وأشكالها، وهو الاختلاف الذي ينشأ منه تباين الطبيعة تبايناً يسر النفوس وينعشها. والذرات لا تتحرك في خطوط مستقيمة أو منتظمة، بل إن في حركتها انحرافاً أو زيغاً دقيقاً لا يستطاع قياسه، وفيها تلقائية عنصرية تسري في جميع الأشياء وتصل إلى غايتها في إرادة الإنسان الحرة (٢).


(١) لم يستعمل لكريشيوس هذا اللفظ قط، ولكنه يطلق على جزيئاته الأولية اسم "الأوليات" أو العناصر أو البذور primordia، elementa، Semina.
(٢) قارن هذا بمبدأ "الحتمية" التي يعزوها بعض علماء الطبيعة في هذه الأيام للكهارب (الإلكترونات). المترجم.