لقد كانت كل الأشياء من قبل عماء، ولكن التوزيع التدريجي للذرات المتحركة حسب أحجامها وأشكالها قد أنتج- عن غير قصد- الهواء والنار والماء والتراب ومن هذه كلها نشأت الشمس والقمر والكواكب والنجوم؛ وفي الفضاء اللانهائي تنشأ باستمرار عوالم جديدة وتفتحت عوالم أخرى قديمة، والنجوم نيران مثبتة في حلقة من الأثير (وهو ضباب من ذرات أرق من الذرات السابقة) المحيطة بكل مجموعة كوكبية. وهذا الجدار الكوني الناري هو الذي يكون "أسوار العالم الملتهبة". ثم انفصل جزء من الضباب البدائي عن هذه الكتلة وأخذ يدور وحده وبرد فتكونت منه الأرض. وليست الزلازل ناشئة من صراخ الآلهة بل من تمدد الغازات والمجاري التي تحت الأرض. كما أن الرعد والبرق ليسا صوت الإله وأنفاسه بل هما نتيجتان طبيعيتان لتكاليف السحب واصطدامها بعضها ببعض. وليس المطر مرحمة من جوف بل هو رجوع الرطوبة التي بخرتها الشمس إلى الأرض.
والحياة في رأيه لا تختلف في جوهرها عن غيرها من خصائص المادة، فهي نتيجة الذرات التي لا حياة في كل منها بمفردها. وكما أن الكون قد اتخذ صورته الخاصة به طوعاً لقوانين المادة المتأصلة فيها، فكذلك أخرجت الأرض كل أنواع الكائنات الحية وأعضاءها بطريقة الانتخاب الطبيعي لا بغيرها من الطرق.
لا شيء ينشأ في الجسم ويقصد به أن نستخدمه، ولكن ما ينشأ فيه ينتج بعد وجوده الغرض الذي يستخدم فيه (١٤) .. فلم يكن هدف الذرات هو الذي جعلها ترتب نفسها ترتيباً قائماً على الذكاء والفطنة، بل السبب في ترتيبها هذا أن كثيراً من الذرات منذ الأزل قد تحركت والتقت بطرق مختلفة لا حصر لها، وجربت كل التراكيب المختلفة .. ومن ثم نشأت مبادئ الأشياء العظيمة … وأجيال الكائنات الحية (١٥). وما أكثر ما حاولت الأرض أن توجده من الهولات، فمنها ما لم تكن له أقدام، ومنها ما لم تكن له يدان أو فم أو وجه أو أطراف ملتصقة بجسمه .. ولكن هذه المحاولات