للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها ذهبت أدراج الرياح، فقد ضنت عليها الطبيعة بالنماء، ولم تستطيع هي أن تجد لنفسها الطعام، أو أن تتصل بعضها ببعض اتصالاً مبعثه الحب .. وما من شك في أن كثيراً من الحيوانات قد بادت في ذلك الوقت لأنها عجزت عن الاحتفاظ بأنواعها عن طريق التزاوج والتناسل، وسبب ذلك أن الأنواع التي لم تهبهما الطبيعة صفات "تحميها من أعدائها" كانت تحت رحمة غيرها، وسرعان ما هلكت وانقرضت (١٦).

وليس العقل (Animue) إلا عضواً كالقدمين والعينين، وهو مثلهما أداة أو وظيفة لتلك الروح (Anime) أو النسمة الحيوية، وهي مادة جداً رقيقة تنتشر في الجسم كله، وتبعث الحياة في كل جزء من أجزائه. وعلى الذرات الشديدة الحساسية التي يتكون فيها العقل تسقط الصور أو الأشرطة التي لا ينقطع خروجها من سطوح الأشياء. وهذا هو منشأ الإحساس. وينشأ الذوق والشم والسمع والبصر واللمس من جزيئات تخرج من هذه الأشياء وتقع على اللسان أو الحالق أو الخياشيم أو الاذنيين أو العينيين أو الجلد. والحواس كلها صور اللمس. وهي المحك النهائي للحقائق، فإذا ما ظن أنها أخطأت فليس ذلك إلا نتيجة لسوء التفسير، ولا يصحح خطأ إحدى الحواس إلا حاسة أخرى، ولا يمكن أن يكون العقل محك الحقائق لأن العقل يعتمد على التجارب أي على الإحساس.

وليست النفس شيئاً روحياً، ولا هي خالدة، فهي لا تستطيع تحريك الجسم إلا إذا كانت ذات جسم، وهي تنمو وتشيخ مع الجسم، وتتأثر بما يتأثر به من مرض ودواء وخمر، وتتبدد ذراتها تبدداً ظاهرياً حين يموت، ولو وجدت النفس بغير الجسم لكانت عديمة الإحساس عديمة المعنى؛ وما فائدة النفس بغير أعضاء اللمس والذوق والشم والسمع والبصر؟ والحياة لا توهب لنا لتكون ملكاً خالصاً لنا بل عارية نستعيرها ونحتفظ بها ما دمنا على الانتفاع بها، فإذا ما استنفدنا قوانا وجب علينا أن نغادر مائدة الحياة مغتبطين شاكرين، كما يغادر