ولم يتقدم المصريون في دراسة جسد الإنسان تقدما يستحق الذكر رغم ما أتاحه لهم فن التحنيط من فرص لهذه الدراسة. فقد كانوا يظنون الأوعية الدموية تحمل هواء وماء ونفايات من السوائل. وكانوا يعتقدون أن القلب والأمعاء مركز العقل. ولعلنا إذا عرفنا ما كانوا يعتقدونه بهذا المصطلحات لا نجدهم يختلفون عنا كثيراً في معتقداتنا الأكيدة التي لا نثبت عليها إلا قليلا. ولكنهم وصفوا بكثير من الدقة العظام الكبرى والأمعاء، وعرفوا أن القلب هو القوة الدافعة في الكائنات الحية، وأنه مركز الدورة الدموية. وقد جاء في بردية إيبرز (١٧٦) أن "أوعيته تتفرع إلى جميع أعضاء الجسد، فسواء وضع الطبيب إصبعه على جبهة الإنسان، أو على مؤخرة الرأس، أو على اليدين … أو على القدمين فإنه يلتقي بالقلب في كل مكان". ولم يكن بين هذا وبين أقوال ليوناردو وهارفي إلا خطوة واحدة- ولكنها خطوة تتطلب ثلاثة آلاف عام.
أما أكبر مفخرة علمية للمصريين فهي علم الطب. وكان الكهنة هم البادئين به كما أن فيه من الشواهد ما يدل على أن هذه البداية قد نبتت من السحر. وشأن الطب في هذا يكاد يكون شأن كل شيء آخر في حياة مصر الثقافية. وكانت التمائم أكثر شيوعاً بين الناس من حبوب الدواء لعلاج الأمراض أو للوقاية منها. وكان المرض في اعتقادهم هو تقمص الشياطين الجسم، وعلاجه هو تلاوة العزائم؛ فقد كان الزكام مثلا يعالج بمثل هذه العبارات السحرية:"اخرج أيها البرد يا ابن البرد، يا من تهشم العظام، وتتلف الجمجمة، وتمرض مخارج الرأس السبعة. اخرج على الأرض. دفر. دفر. دفر! "(١٧٧) - وأكبر الظن أن هذا علاج لا يقل في مفعوله عن أي علاج نعرفه اليوم لهذا المرض القديم.
ثم نرتفع في مصر من هذه الأعماق إلى الأطباء العظام والجراحين والأخصائيين الذين ساروا في صناعة الطب على قانون أخلاقي ظل يتوارث جيلا بعد جيل حتى وصل إلى القَسَم الذائع الصيت قسم أبقراط (١٧٨). وكان