من المصريين أخصائيون في التوليد وفي أمراض النساء؛ ومنهم من لم يكن يعالج إلا اضطرابات المعدة، ومنهم أطباء العيون. وقد بلغ من شهرة هؤلاء أن قورش استدعى واحداً منهم إلى بلاد الفرس (١٧٩). أولئك هم الأخصائيون، أما غير الأخصائيين منهم فقد ترك لهم جمع الفتات بعد هؤلاء وعلاج الفقراء من الناس؛ وكان من عملهم فوق هذا أن يحضروا أدهان الوجه، وصبغات الشعر، وتجميل الجلد، وأعضاء الجسم، ومبيدات البراغيث (١٨٠).
وقد وصلت إلينا عدة برديات تبحث في الشئون الطبية. وأعظمها قيمة بردية أدون اسمث، وسميت كذلك نسبة إلى مستكشفها وهي ملف طوله خمسة عشر قدماً، ويرجع تاريخها إلى عام ١٦٠٠ ق. م تقريباً وتعتمد على مراجع أقدم منها كثيراً. وحتى لو ضربنا صفحاً عن هذه المراجع الأولى لظلت هذه البردية نفسها أقدم وثيقة علمية معروفة في التاريخ وهي تصف ثماني وأربعين حالة من حالات الجراحة التطبيقية تختلف من كسر في الجمجمة إلى إصابة النخاع الشوكي. وكل حالة من الحالات الواردة فيها مبحوثة بحثاً دقيقاً في نظام منطقي في عناوين مرتبة من تشخيص ابتدائي مؤقت، وفحص، وبحث في الأعراض المشتركة بين أمراض مختلفة، وتشخيص العلة، والاستدلال بأعراضها على عواقبها وطريقة علاجها، ثم تعليقات على سطح المصطلحات العلمية الواردة فيها وشروح لها. ويشير المؤلف في وضوح لا نجد له مثيلا قبل القرن الثامن عشر الميلادي إلى أن المركز المسيطر على الطرفين السفليين من أطراف الجسم كائن في المخ. "وتلك أول مرة يظهر فيها هذا اللفظ في عالم الأدب (١٨١).
وكان المصريون يستمتعون بطائفة كبيرة من الأمراض المتنوعة، وإن كانوا قد قضى عليهم أن يموتوا بها من غير أن يعرفوا أسمائها اليونانية. وتحدثنا بردياتهم وأجسامهم المحنطة عن تدرن النخاع الشوكي وتصلب الشرايين، والحصوات الصفراوية، والجدري وشلل الأطفال، وفقر الدم، والتهاب المفاصل، والصرع